يكون إجماعا خاصا بسماع الزهري من أبان، قيل سماعه مختلف فيه قد خالفهم محمد بن يحيى ولا إجماع مع وجود الاختلاف.
وفيه بيان لسلف مسلم في مذهبه وهو شيخه محمد بن يحيى النيسابوري الذي كان بابه السلامة تماما كمسلم.
قال (148):" وأمّا الدليل التأصيليّ، فينبني على أصلين:
الأصل الأول: أن (عن) في عُرْف المحدّثين دالّةٌ على الاتّصال، ومن نازع في ذلك، فلم يكن للعنعنة عنده دلالةٌ على الاتّصال يلزمه أن لا يقبل العنعنة مطلقًا، سواءً ثبت السماع المطلق بين الراويين أو لم يثبت."
الجواب: الزعم بأن "عن" دالة بمجردها على الاتصال في عرف المحدثين دعوى عرية عن الدليل، ويلزم مدعيها أن يقبل العنعنة –بين المتعاصرين -مطلقا سواء كان اللقاء ممكنا أم لا، وأن لا ينظر في قرائن نفي السماع فيقبل المرسل الخفي، والشيخ حاتم كثيرا ما يستدل باحتراز العلماء عن التدليس لبيان أن مذهبهم قبول المعنعن.
فإن قال هذا لا يلزمني، لأن "عن" تدل على الاتصال بالشروط الثلاثة المذكورة، قلنا هذا نقض لأصل الدعوى، ونحن نقول هي تدل على الاتصال بالشروط الأربعة المذكورة.
"وأمّا الأدلّة على أن (عن) تدل على الاتّصال عُرْفًا، فأكثر من أن تُجْمَعَ في مختصرنا هذا، لكني أقول: لو لم تكن (عن) تدل على الاتّصال: لمَ إذن استثنى العلماءُ قِلّةً من الرواة وعددًا يسيرًا من ألوف النَّقلة (وهم من غلب عليهم التدليس) من أن تكون (عن) منهم دالّةً على الاتّصال؟ بل ولمَ عابوا على المدلسين فعلَهم هذا؟ أو ليس سبب ذلك أنهم أوهموا السماع؟ وهل يحصل الإيهام إلا باستخدام ما كان يدل على السماع غالبًا؟!! "
الجواب: قوله: أكثر من أن تجمع " مبالغة وهي لو كانت عنده مجموعة لما بخل علينا بها في المختصر الذي أودع فيه جميع ما سبق، ولو سلمنا له هذه الحجة وهي أن ما عدا ما استثناه العلماء يكون محمولا على الاتصال، لدخل في الاستثناء من ثبت عنه التدليس بحجة بينة، ومن عرف بالإرسال الخفي، وكذلك من لم يعلم لقاؤه للشيخ المروي عنه.
"ويكفي أن نقول لمن نازع في الدلالة العرفيّة لـ (عن) على الاتصال، نصْرةً للمذهب المنسوب إلى البخاري: على ماذا اعتمدت إذن في حَمْل (عن) على الاتصال بالشرط الذي ادّعيته؟ على الدلالة اللغويّة؟ أم العرفيّة؟ .... الخ "
الجواب: يلزمه ما يلزمنا لأن مسلما لم يقبل العنعنة مطلقا، ونحن لا نردها مطلقا.
"قال (149 - 150): وعليه: فإما أن يعترف الخصم بهذه الدلالة العرفيّة لـ (عن)، وحينها يلزمه أن يقول بقول مسلم، وإمّا أن ينفي دلالة (عن) على الاتصال، وحينها يلزمه عدمُ قبولِ العنعنةِ مطلقًا .... "
الجواب: إن مسلما مقر بأن العنعنة لا تدل على الاتصال لأنه لم يناقش خصمه في احتمالها للإرسال ولكن بين له أن احتمال الإرسال وارد حتى في حق من ثبت سماعه ولقيه.
قال (150 - 151):"وقد وَقَعَ ابنُ رُشيد في هذا التناقض!!
فانظر إليه وهو يستدلّ لمذهب من ردَّ العنعنة مطلقًا، فيقول: ((وحُجّتُه أن (عن) لا تقتضي اتّصالاً، لا لغةً ولا عُرفًا، (ثم بيَّنَ عدم اقتضائها الاتصال لغةً، وقال عن العُرْف:) وليس فيها دليلٌ على اتّصال الراوي بالمرويّ عنه، وما عُلم أنّهم يأتون بـ (عن) في موضع الإرسال والانقطاع يَخْرُمُ ادّعاءَ العُرْف)) " السنن الأبين (44 - 45).
" ... ثم انظر كيف اختلف موقفه كل الاختلاف، عندما جاء لتقرير صحّة المذهب الذي تبنّاه، والذي كان يعتقد أنه مذهب البخاري وعلي بن المديني حيث قال في تقريره: (( .... إلا أن علماءَ الحديث رَأَوْا أن تَتَبُّعَ طلبِ لفظٍ صريح في الاتّصال يعزُّ وجودُه، وأنه إذا ثبت اللقاء ظُنَّ معه السماع غالبًا، وأن الأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم فمن بعدهم استغنوا كثيرًا بلفظ (عن) في موضع (سمعت) و (حدثنا) وغيرهما من الألفاظ الصريحة في الاتّصال اختصارًا، ولما عُرِفَ من عُرْفِهم الغالب في ذلك، وأنه لا يضعُها في محلّ الانقطاع عَمَّن عُلِمَ سماعُهُ منه لغير ذلك الحديث بقَصْد الإيهام إلا مُدَلِّسٌ يُوهم أنه سمع ما لم يسمع. .)) السنن الأبين (62).
فانظر كيف اضطُّرَّ أن يرجع فيقول: ((ولما عُرِفَ من عُرفهم الغالب في ذلك))!!! "
¥