تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أذكر هذه المقالة للشيخ لا أقصد بذلك إحراج الشيخ، أو أن أقول له كيف تنه عن شيء وتأتي مثله، بل أقول له: القول ما قلت، والصواب ما ذكرت، وما ذاك إلاّ لأنّ الأسلوب المناسب في هذا الموضع هو ما ذكر الشيخ محمد، لأن في عبارة ذلك الشيخ عفا الله عنه شيئا من الازدراء لجهود الآخرين، ودعوى لغلق أبواب الاجتهاد في هذا العلم الشريف، وهذا منهج شيخنا حاتم الشريف من حيث الأسلوب، والذي أستطيع أن أصنّفه حسب نظري القاصر الخاص على ضربين:

*الضرب الأول: الأسلوب الذي يسوده اللين والهدوء، وغالب ما يستعمل شيخنا هذا الأسلوب فيما توصّل إليه من نتائج كبرى اعتمد فيها على استدلالات دقيقة تحتاج إلى إمعان نظر وتفكّر، ولنضرب لذلك مثالا بمسألة الحدّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين.

*الضرب الثاني: الأسلوب الذي فيه نوع من الشدة، وشيء من القسوة على المخالف، وهذا غالبا ما يكون فيما توصّل إليه شيخنا من نتائج كبرى اعتمد فيها على دلائل واضحة وبراهين قاطعة، لا ينكرها إلاّ مكابر، ولنضرب لذلك مثالا بقضيّة عامّة ينضوي تحتها مسائل من علم الحديث بالعشرات، وهي مسألة محاكمة المصطلحات التي أطلقها المتقدمون إلى ما استقرّت عليه تعريفات المتأخرين، وما يترتب على ذلك من مفاسد كبرى، كالتفريق بين الإرسال الخفي والتدليس على سبيل المثال، مع أنّ السلف رحمهم الله أطلقوا مصطلح التدليس على كُلٍّ، فأطلقوا على رواية الرّاوي عمن عاصره ولم يسمع منه لفظ التدليس، فقالوا: فلان كان يدلّس، روى عن فلان ولم يسمع منه (وانظر على سبيل المثال ترجمة الحجاج بن أرطأة من تهذيب الكمال)، وأطلقوه على رواية الرّاوي عمن سمع منه مالم يسمع منه، فيأتي أحدهم بل كثير منهم إلى من تدليسه من قبيل الإرسال الخفي لمجرّد أنّ الحافظ ابن حجر رحمه الله وصفه في «التقريب» بالتدليس، فيحكم على كل حديث عنعن فيه الرّاوي بالضعف، لأنّه مدلِّس ولم يصرّح بالسماع، مع أنّ الراوي سمع من شيخه، و وصفه بالتدليس ليس من باب أنّه روى عمن سمع منه ما لم يسمع منه، بل من باب رواية الرّاوي عمن عاصره و لم يسمع منه، وليس عن ذلك الشيخ بل عن غيره، لأنّ نفس الشيخ قد ثبت سماعه منه، أو لم يرد ما يدلّ على انتفاء السماع وهو الغالب، وهلّم جرّا في كلّ أحاديث ذلك الرّاوي فتقع الطامة الكبرى وتضعف أحاديث قد يكون الصواب فيها أنّها في درجة القبول، فتتعيّن شدّة الخطاب والحالة هذه ...

وإنّ ما ابتليت به الأمة في هذا العصر في دعاتها وطلبة العلم فيها ـ خاصة ـ من غلبة حظوظ النفس على طلب الحق ـ إلاّ ما رحم ربّك ـ هو السبب الأوّل و الأخير الذي فرض على الشيخ أن يكون في الأسلوب شيء من الشدّة والقسوة، بل أقول: هو المتعيّن في حق الشيخ، إذ لولا هذا الأسلوب بعد إرادة الله عزّ و جلّ، بمعنى لو استعاض بهذا الأسلوب، الأسلوب الهادئ الذي يسوده اللين والرفق، لكان كثير من الآراء التي أحياها الشيخ، ولم يسبقه إلى ذلك أحد (رغم أنف كل جاحد)، وهي الحق عند أهل الإنصاف ـ وسامحوني على هذه العبارة ـ في مزبلة التاريخ، وخير دليل على ذلك، تلكم الأقوال لبعض الأمة المتقدّمين التي نصرها الشيخ وأحياها بعد أن ماتت أمداً طويلاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولم يأت الشيخ ببدع من القول أو بشيء خارق للعادة بل هو التوفيق فحسب.

*أمّا ظهور ما ذهب إليه شيخنا الشريف حاتم في كتابه «إجماع المحدّثين» من أنّ المحدّثين قاطبة على عدم اشتراط العلم بالسماع، هو الحق المتعيّن، وهو ما يتعلّق بمسألتنا هذه، فأقول:

إنّ ما ذكره الشيخ محمد عن الكتاب من أنّ أكثره أغلاط ومغالطات، لي معه وقفة:

*أمّا الأغلاط: فهذا ممّا لا يَسْلَم منه أحد، فلا أحد نزّه الشيخ عنها، ولم يدّع الشيخ ذلك لنفسه، بل في صريح كلام الشيخ ما يدلّ على ذلك بشهادة الشيخ محمّد، والكمال في النقص كما لا يخفى، ولهذا فضّل صالح البشر على الملائكة (على قول)، وأما العصمة التي لا اختيار للمخلوق فيها فليست من قبيل الكمال في هذا الباب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير