تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذلك، ومسلم لا يخالف في هذا، فالقاعدة المطّردة في هذا الباب:

أنّ الأصل في الرّاوي إذا كان ثقة غير مدلِّس أن يكون قد سمع ممّن فوقه إذا أمكن اللقاء ولم يقم دليل على انتفاء السماع، فكيف يمكن للبخاري أن يخالف ما هو متقرّر عند أهل الحديث، فيشترط العلم بالسماع.

ولمّا كان القائل بهذا المذهب مخالفا لما هو متقرّر عند أهل الحديث، استشنع مسلم رحمه الله هذا منه، فوصفه بأنّه ليس من أهل هذا الفنّ، وأنّ في الردّ عليه رفعة لشأنه فتأمّل.

*ثم هل يُطبق أئمة أهل الحديث الذي جاءوا بعد الإمامين رحمهما الله، كالترمذي وأبي داود والنسائي وابن حبان و الدار قطني وبعدهم الحاكم والخطيب على عدم التنصيص على هذا الفرق الجوهري بين الإمامين، وبين هذين المذهبين، والذي له الأثر البالغ في الحكم على الأحاديث بالاتّصال أو الانقطاع الذي يلزم منه أن تكون كثير من الأحاديث مقبولة عند مسلم مردودة عند البخاري، ليتفطّن له بعد ذلك من جاء بعدهم؟؟!!!

فهذا الإمام الترمذي ت279هـ ذكر في كتابه «العلل الصغير» اختلاف أئمة النقد في مسائل كثيرة من علم الحديث ولم يشر إلى الخلاف في الإسناد المعنعن وإلى مذهب من اشترط العلم بالسماع، وهو مَن في القرب من الإمام البخاري ت256هـ، وهكذا الإمام أبو داود رحمه الله ت275هـ، نص في رسالته إلى أهل مكة على مسائل من علم الحديث والتي منها الخلاف في قبول المرسل، ولم يلتفت إلى موضوع اشتراط العلم بالسماع في الإسناد المعنعن البتة، مع كلامه على التدليس، وهكذا الإمام ابن حبان رحمه الله ت354هـ الذي انتقد البخاري في إخراجه لأقوام وتركه آخرين، ولم يتعرّض للكلام على مذهبه المتشدّد في اشتراط العلم بالسماع، ولا على مذهب مسلم المتساهل في الاكتفاء بإمكان اللقي على حدّ قول المخالف، والإمام الدار قطني ت385هـ الذي انتقد عليها جمعا من الأحاديث، وهكذا كل من عمل عليهما مستخرجا أو مستدركا، بل هاهما الإمامان الحاكم النيسابوري ت405هـ، والخطيب البغدادي ت463هـ وهما من أقدم من ألّف في علوم الحديث لم يَنُصَّا على هذا الاختلاف الواقع بين صاحبي الصحيح في اشتراط العلم بالسماع والوقوف على السماع في الإسناد المعنعن من الرّاوي الثقة الذي لم تلحقه وصمة التدليس، مع تعرّضهما لمناقشة ما هو دون ذلك.

*ثمّ من تعرّض للكلام على مصطلح (على شرط أحدهما) عند الحاكم وما مقصوده به هل نفس سلسلة الإسناد؟ أم برجال أخرج لمثلهم صاحبا الصحيح؟ لم يلتفت إلى هذا الشرط ـ على حسب علمي ـ مع أنّه محلّه وهو المكان الأليق به.

*ثم إن تصرّف نقلة الأخبار في صيغ التلقي، يجعلنا نجزم بما ذهب إليه شيخنا حفظه الله، وذلك أنّ عدم نقل الصيغة الصريحة في السماع ليس دليلا على عدمها، وعدم العلم بالسماع ليس دليلا على عدمه في الواقع، والذي يقول بخلاف ذلك يلزمه أن يثبت أن صيغ التلقي المذكورة في المصنفات والمسانيد والأجزاء كذلك وردت عن أصحابها ودون ذلك خرط القتاد، وغاية ما نقل إلينا أن بعض أصحاب الكتب المصنّفة كان يتثبت في عبارات شيوخه، ويلتزم الصيغة التي نقلت في الأسانيد وأمّا ما فوق ذلك فلا سبيل إليه، وفي هذا ردّ على ما استند إليه الشيخ أبو الأشبال أحمد شاغف في إثبات الخلاف في هذه المسألة وهو سؤال محمد بن يحي الذهلي أبا الوليد هشام بن عبد الملك هل كان شعبة يفرّق بين أخبرني وعن؟ فقال: أدركت العلماء لا يفرقون بينهما، فاستدلّ على وجود الخلاف باستبعاد أن يكون خفي على الإمام محمد بن يحي الذهلي الإجماع الذي حكاه مسلم، فما أدري ما علاقة هذه المسألة بمسألتنا، بل إنّ مسلما من أشهر المحدّثين في التثبت من نقل صيغ التحديث كما نقلها شيوخه، ومع ذلك هو ناقل الإجماع، ثم لماذا لم يستدل بقول أبي الوليد: لم يكونوا يفرّقون بينهما على تعزيز قول مسلم إن كان يرى أنّ بين المسألتين علاقة، التي لم أهتد إليها بدل ما يستدل على مجرّد سؤال الذهلي على الخلاف؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير