تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

*ثمّ إنّ الإمام مسلما رحمه الله أعلّ أحاديث بعدم سماع راويها ممن فوقه كالبخاري وغيره تماما، فأين الفرق بينهما، فالمسألة مفروضة في الرّاوي الثقة الذي لم يوصف بالتدليس، ولم نقف على ما يدلّ على عدم سماعه ممن فوقه أو ما يوحي إلى ذلك، بمعنى أنّ من لم نقف على ما يدلّ على السماع و اللقي مع إمكانه، فالأصل فيه ثبوت ذلك كلّه حتّى يرد ما يضاد ذلك، إمّا ثبوت عدم السماع، أو الوصف بالتدليس، لأنّه الأصل في جميع الأخبار.

وإذا لم يأت ما يدلّ على خلاف ما ذكره الشيخ ممّا هو متقّرر عند أهل الحديث عن الأئمة المتقدّمين، فما المانع من إطلاق وصف الإجماع على ذلك.

وأقول للشيخ محمّد: لا داعي لإقحام المصطلحات الأصولية من تحرير محلّ النزاع و المطالبة بالاستقراء، فالمسألة أهون من ذلك بكثير، ومن الوضوح بمكان، فالخصم مطالب بإقامة البينة على دعواه بأنّ هذا مذهب البخاري أو غيره من الأئمة من صريح قولهم (بأنّه لم يكن يقبل من الأحاديث إلاّ ما وقف فيه على العلم بسماع راويه ممن فوقه في جميع طبقات الإسناد!!!)، ولا يكفي أن يُنقل عن بعضهم أنّه كان يستثبت من شيوخه كشعبة أو يحي القطان مثلا، لأنّ المسألة مفروضة في موقف مثل شعبة فيما تقدّمه من الطبقات، ولا يكفي في هذه المسألة الحدس، خاصة وأنّ شروط الأئمة في كتبهم وقع فيها خلاف طويل وعريض بين أهل العلم، لا لشيء إلاّ لأنّهم لم يصرّحوا بها، إضافة إلى عدم تنصيص من صنف فيها على الانفراد على هذا الشرط، ثمّ مخالفة هذا الظن والتخمين لما هو متقرر عند أهل الحديث يزيد هذا القول وهنا على وهن.

ثانيّاً:

وإنّي سأكتفي في هذه الناحية بذكر بعض الإلزامات، لأنّي كتبت هذا التعقيب على عجالة وأنا مسافر بعيدا عن المراجع والمصادر ممّا علق بالخاطر.

من تأمُّلي في ردّ الشيخ محمد حاج عيسى ظهر لي:

أنّه قرأ الكتاب بنيّة الرد نزولا عند رغبة من طلب ذلك منه (غفر الله لي)، لذا نجده تتبّع الكتاب صفحة صفحة ولم يترك شاردة ولا واردة يمكن أن يتشبث بها إلاّ وأوردها حتّى الاحتمالات، حتى التفريق بين ابن السمعاني والسمعاني، وذلك ظاهر وبيّن من خلال تصرّفه:

*والذي يؤكد لنا هذا الأمر هو أن الشيخ محمدا لم يفصح عن اختياره ومذهبه في الموضوع بصراحة، ويقيم الدليل عليه أوّلا ثم يلجأ إلى رأي الخصم ومناقشة أدلّته ثانيا، وهل هو يرى أن هذا هو مذهب البخاري رحمه الله حقيقة وأنّ الصواب مع البخاري، أم أنّه مذهب البخاري وقد أخطأ البخاري في شرطه ذلك وخالف جماهير المحدّثين ممن كان قبله كما تشير إليه أوّل فقرة من ردّه، أم أنّ لأهل الحديث منهجين في هذه المسألة، بل كان شغله الشاغل نقد ما استطاع من عبارات الشيخ.

*يلزم الشيخ محمّدا أنّ مسلما أخطأ في دعواه للإجماع في هذه المسألة، وهذا يلزم منه لازم خطير، وهو الشك في كثير من عبارات السلف التي تنقل الإجماع، و أن مسلما تلفظ بعبارة لم ينتبه لمدلولها وما ترمي إليه ولا يعلم أبعادها (حاشاه)، مع أن عبارة مسلم من أصرح العبارات وأقواها في نقل الإجماع عن تلكم العبارات التي محصّلها عدم العلم بالمخالف لفرد أو لأفراد، ومع ذلك اعتمدت في نقل الإجماع كما لا يخفى على الشيخ محمد.

*يلزم الشيخ محمّدا أن من جاء بعد مسلم من الأئمة (كالترمذي وأبي داود والنسائي وابن حبان والدارقطني وغيرهم ممن ذكرنا آنفا) سكتوا عن بيان الخلاف الواقع في هذه المسألة ولم يتعرّضوا للإجماع المدّعى الذي نقل في ثاني أصح الكتب بعد كتاب الله عزّ وجلّ.

*ثمّ إنّ ما ذهب إليه الشيخ حاتم هو الأليق بمقام الإمام البخاري رحمه الله، ونسبة الخطأ في تفسير شرطه إلى من جاء بعده بقرون أهون، وما ذاك إلاّ لأنّ إحداث هذا الشرط ليس للبخاري ولا لغيره ممّن هو في طبقته، أو من هو فوقه بقليل، لأنّ المسألة مسألة منهج، فشروط قبول الأخبار والاحتياط للروايات قديمة المنشأ عتيقة العهد، ظهرت بظهور علم الرواية، فهل يعني هذا أنّ البخاري (أو من نسب إليه هذا القول) خالف السلف المتقدّمين، وكان أحرص منهم على سنّة سيد المرسلين r ، وهذا لازم آخر يلزم القائل بهذا المذهب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير