تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

*ولمّا كان هذا القول فيه ما فيه من مخالفة المستقرّ عند أهل الحديث، ذهب من ذهب إلى أنّ هذا شرط البخاري في صحيحه فقط، وهذا القول يستفاد منه نتيجة كبرى هي لصالح ما ذهب إليه الشيخ حاتم وهي أنّ البخاري لا يخالف مسلما فيما ذهب إليه في أصل قبول الأخبار، ولا الذي عليه جمهور المحدّثين على الأقلّ، بل في الصحيح فقط، وإلاّ فهو موافق لهم في الأصل، وهذا يزيد من ضعف ذلك المذهب أيضا.

*وأما نسبة هذا القول إلى من قبل البخاري رحمه الله كما فعل الحافظ ابن رجب رحمه الله فلم يستند في نسبة هذا القول لهم على صريح قولهم، وإنّما غاية ما يمكن التشبث به في هذا الباب، هو ما اشتهر به أولئك الأئمة من التثبت من سماع شيوخهم المباشرين ممن فوقهم، أو من تصريحهم بعدم سماع بعض الرّواة من شيوخهم، أو عدم و قفوفهم على سماع لبعضهم، وهذا لا يعني، بل لا يتصوّر أنّ ذلك كان منهجهم في جميع الروايات مع جميع الرّواة حتّى فيما تقدّمهم من الطبقات كما قدّمت، بل على ما وصلهم من ذلك أو ما دخلت إليه الرّيبة، وهذا النوع من الإعلال لا يخالف فيه لا الإمام مسلم ولا الشيخ حاتم ولا غيره.

الخلاصة:

وأختم هذا التعقيب بهذه الأسئلة:

*هل يمكن أن يكون الإمام مسلم قصد بكلامه ذلك البخاري أو عليّ بن المديني، أو أيّ إمام من أئمة أهل الحديث المعتبرين حتّى ولو كان من الأئمة الذين وصفوا بالتساهل؟؟!!!

*هل للبخاري أو غيره أن يخالف المنهج الذي عليه أهل الحديث في قبول الأخبار ممن كان قبله فيحدث شرطَ العلم بالسماع في الحديث المعنعن؟؟!!!

*هل يمكن أن يطبق الأئمة الكبار أصحاب المصنّفات الذين جاءوا بعد البخاري على عدم التعرّض لهذا المذهب الذي يشترط هذا الشرط، والذي مؤدّاه ردّ الأخبار التي هي عند المخالف من باب المقبول والصحيح؟؟!!!

*هل يمكن أن ننسب قولا كبيرا مثل هذا، لإمام من الأئمة لمجرّد أن نسبه إليه بعض العلماء ولم يرد ما يدلّ عليه من صريح قوله، مع ورود الاحتمال، ووجود قرائن تدلُّ على خلافه، وعندنا أنّ الدليل الشرعي إذا ورد إليه الاحتمال بطل به الاستدلال ولو في بعض الأحيان فما بالك بما هو دونه؟؟!!!

*هل يطبق كلُّ من ألّف في شروط الأئمة على عدم ذكر هذا المذهب ويكون اتفاقهم على ذلك من باب التوافق الغير مقصود؟؟!!!

*ثم هل يلتزم الشيخ محمد إذا كان يستدلّ على مذهب البخاري بقوله (لا يُعرف له سماع) أنّ كل من لم يذكر فيهم البخاري مثل هذه العبارة أنّه وقف على ما يدلّ على سماعهم، لا أظنّه يجرأ على ذلك.

*ثمّ ما المانع في أن يكون الحافظ ابن رجب رحمه الله لما استقرّ في نفسه من تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم في القوّة، ثم وقوفه على عبارة القاضي عياض، وتعليلات الأئمة للأحاديث بعدم العلم بالسماع يجعله ذلك يتوهّم أنّ هذا مذهب لهم، وهذا لا ينقص من قدره شيئا، فهذا الحافظ ابن حجر وهو من في هذا الفن وهذا الشأن، والخدمة التي قدّمها لعلم الحديث لا تقارن بخدمة الحافظ ابن رجب وفي كلّ خير، ومع ذلك وقع له ما هو أعظم من ذلك وهذا لا يقلل من شأنه شيئا، بل إذا كان الأئمة الكبار كمالك والشافعي وأحمد وابن معين استدرك عليهم فما بالك بغيرهم.

وأخيرا:

لو لم يكن مع الشيخ حاتم إلاّ عبارة الإمام مسلم لكفى بها مستندا لإحداث مثل هذه الريبة في نسبة هذا المذهب إلى الإمام البخاري أو غيره من الأئمة، فكيف إذا انضاف إليه إطباق من ألف في شروطهما على عدم التعرض لذكر الخلاف بين هذين المذهبين، ثمّ سكوت من جاء بعدهما من الأئمة وجريان العمل عند أهل الحديث على ما صرّح به مسلم

وأما التسليم لأهل العلم رحمهم الله بنسبة هذا القول إلى الأئمة بعد ظهور هذه الإشكالات التي دفعت الشيخ حاتم لدراسة هذه المسألة، فهذا يعني أن نترك طلب العلم ونعود إلى الحواشي والمختصرات، والهوامش والمعتصرات ثم بعد ذلك إلى القطرات ليموت الاجتهاد بعد ذلك من العطش.

هذه الأسئلة وغيرها كان ينبغي أن يتأمّل فيها الشيخ محمد قبل أن يشرع في ردّه هذا، وكنت أتمنى أن لو كنت أمام مكتبتي لأبيّن له أنّه بالإمكان أن يسلك مع الشيخ محمد نفس المنهج الذي سلكه مع شيخنا الشريف حاتم، ولو تصوّر أحدنا هذا النقض كان موجّها إلى من خالف الشيخ حاتم في هذه المسألة واختار ذلك القول المرجوح بنفس الأسلوب والتتبع لجاء في مئات الصفحات لكثرة ما سيقف عليه الشيخ محمد من الهفوات لما في ذلك القول من التكلّف.

لأنّ الذي ظهر لي أنّ الرد بذلك التتبع كان الهدف منه التحامل أكثر من دراسة المسألة بعينها والتجرد لمعرفة الحق فيها، فشتان بين من يتكلّم في مسألة نضجت وتخمّرت في مخيّلته، فشدد في طرحها، وبين من لم يرق له ذالكم الطرح فراح يتتبع الموقوذة و النطيحة وما أكل السبع، ولم يتعرّض لأصول الأدلّة التي اعتمد عليها الشيخ والتي جعلتها على شكل أسئلة في آخر هذا التعقيب، فالله المستعان، فرحمة الله على الإنصاف وغفر له ووسّع له في قبره!!!

ومع هذه الشدّة التي قد يراها القارئ الكريم في هذا التعقيب، إلاّ أنّي أعترف لشيخنا محمد بدقة النظر، وحدّة الفهم (ما شاء الله تبارك الله) والذي يقرأ له في الأصول يظن أنّ الرجل أصولي لا علاقة له بالحديث، وهكذا إذا قرأت له في مسائل الاعتقاد كنقده لمذهب الأشعري تجزم بأنّ تخصصه العقيدة، ولكن المطلع على ردّه هذا يعلم أنّ الشيخ كان متحاملا إلى حدٍّ كبير.

غفر الله للجميع بمنّه وكرمه، وأسأل الله أن يغفر ما , وقع لي فيه من خلل أو زلل، , أو ظلم أو خطل.

هذا والله أعلم وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألاّ إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك

كتب ذلك:

أصغر تلاميذ الشريف حاتم العوني قدرا وأقلّهم علما

محبكم: (غُندر)

ودمتم سالمين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير