وكذلك العبارة الثانية:"لا يعرف له سماع صحيح" تختلف عن عبارة:"لا يعرف له سماع" فقد زاد ما يقوي جانب الانقطاع، وهو قوله "سماع صحيح"، فهذا لا يعني أنه لم يجد له سماعا بل يدل على أن سماعه غير صحيح وإن وجد.
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:16 م]ـ
قال الشيخ حاتم:"يقول أبو حاتم الرازي: ((يحيى بن أبي كثير ما أُراه سمع من عروة ابن الزبير، لأنه يُدْخِلُ بينه وبينه رجلاً أو رجلين، ولا يذكر سماعًا ولا رؤية ولا سؤاله عن مسألة)).فهذا مثالٌ واضحٌ ودقيق على أن نفي العلم بالسماع يدل على ترجيح عدم السماع بعد وجود قرينةٍ تشهد لعدمه."
قال أبو حاتم الرازي في كلامه السابق:"ما أراه سمع" ثم قال:"ولا يذكر سماعا" فقد فرق بينهما أبو حاتم الرازي، فبين بالأولى أنه يرجح عدم سماعه، ثم ذكر قرينتين تدلان على ما رجحه وهما وجود الواسطة ذكرها بقوله:"لأنه يدخل بينه وبينه .. "والقرينة الثانية هي أنه لم يجد له سماعا ذكرها بقوله:"ولا يذكر سماعا ولا رؤية .. "، فهذا يبين لنا الفرق بين العبارتين.
ثم لو كانت القرينة الوحيدة في ترجيحه لعدم السماع هي وجود الواسطة كما يفهم من كلام الشيخ حاتم، فما يقول في الحديث الذي وجدنا لراويه سماعا من آخر أو ثبت لدينا لقاؤه، ثم وجدناه يروي عن نفس الراوي بالواسطة، هل يحكم الشيخ حاتم على هذا الحديث بالانقطاع؟ ولهذا كان الصواب اشتراط وجود القرينة الثانية أيضا للحكم بالانقطاع وهي عدم وجود سماع، وكذلك قرينة عدم وجود سماع وحدها لا تكفي للحكم بالانقطاع ولكن يتوقف فيها.
فما ذكره الشيخ حاتم هنا صحيح، فهذا المثال والأمثلة السابقة واللاحقة كلها تدل على ترجيح عدم السماع عند وجود قرينة تشهد لذلك، أما عند عدم القرينة فيكون نفي العلم بالسماع مستلزما التوقف في روايته حتى يترجح سماعه أو عدمه بقرينة أخرى، ولا معنى للتوقف إلا اشتراط السماع وإلا كانت المعاصرة كافية في القبول ولو لم نجد له سماعا، والشيخ حاتم بقوله هذا يكون قد هدم كل ما استدل عليه من قبل.
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:17 م]ـ
قال (69):" المثال الثاني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال البخاري في ترجمته: ((عبدالله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي: قاضي مرو، عن أبيه، سمع سمرة، ومن عمران بن الحصين)).
وهُنَا أنقل ما ذكره خالد الدريس في كتابه الذي ينصر فيه الشرط المنسوب إلى البخاري (موقف الإمامين. .)، حيث قال: 134 ((ذكرتُ فيما سبق: أن قول البخاري (عن) بدل (سمع) فيما يرويه صاحب الترجمة عن شيوخه تدل على أن البخاري لم يثبت عنده سماع صاحب الترجمة ممن روى عنه، وإلا لقال: (سمع) بدل (عن).
وهنا أشار الإمام البخاري أن عبدالله بن بريدة روى عن أبيه بالعنعنة، مما يدل على أن البخاري لم يقف على ما يُثبت سماع عبدالله من أبيه. ورُغم ذلك فقد أخرج البخاري في صحيحه لعبدالله بن بريدة حديثين، ليس فيهما ما يثبت السماع أو اللقاء بينهما))! ثم عاد خالد الدريس ليقول 134 - 135: ((فعلى أي شيءٍ اعتمد البخاري في تصحيحه لهذين الحديثين؟ يبدو أن البخاري أخرج هذين الحديثين لعبد الله بن بريدة عن أبيه مع عدم ثبوت سماع من أبيه لأمرين. .))، ثم ذكرهما، وهما حسب رأيه: أن احتمال سماع عبدالله من أبيه أقوى بكثير من احتمال عدم السماع، وأن البخاري لم يعتمد على الحديث الأول أو الثاني في بابهما. .!! "
هذا المثال الثاني ليس من باب الخبر المجرد لأنه لم يذكر عبارة:"لا أعلم له سماعا" وإنما اعتمد العوني على اجتهاد الدريس في بيان منهج البخاري أنه إذا ذكر العنعنة فقط فهو دليل على أنه لم يجد سماعا، وهذا قد يقدح فيه وجود تراجم في التاريخ الكبير ذكر فيها البخاري (عن) ثم قال بعدها: ولم يذكر سماعا أو نحوها، فلم يكتف بالعنعنة لبيان أنه لم يجد سماعا بل أضاف إلى ذلك التصريح به، فهذا مما يحتاج إلى تحريره.
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:19 م]ـ
قال (73 - 74):"والمثال الثاني: ذكر ابن رجب في (فتح الباري) حديثًا لأبي صالح مولى أمّ هانىء عن ابن عباس، ثم قال: ((وقال مسلم في كتابه (التفصيل): هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتّقى الناسُ حديثَه، ولا يثبت له سماعٌ من ابن عباس)). مع أنّ أبا صالح هذا قديمٌ، وقد أدرك من هو أقدم من ابن عباس، فقد ذكروا له روايةً عن علي بن أبي طالب، وهو مولى أخته أم هانىء فاخِته بنت أبي طالب، وروى عنها أيضًا، وروى عن أبي هريرة. وقد ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من التابعين من أهل المدينة، وقال في بيانها: ((ممن روى عن أسامة بن زيد وعبد الله بن عامر وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وعبد الله بن عَمرو وأبي هريرة وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن عباس وعائشة وأم سلمة وميمونة وغيرهم)). وروى عنه من الكبار: الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وغيرهما. وتذكّر -بعد ثبوت المعاصرة- أن مسلمًا لم يحكم بالاتّصال، ليتأكد لديك أن مسلمًا كان يراعي القرائن، وأنه لم يكن يكتفي بمطلق المعاصرة."
الجواب: هذا النص عن مسلم وقفت عليه قديما في تحذير الساجد للألباني (52) وهو مما جعلني أراجع مذهب مسلم وأحاول تفهمه عسى أن لا يكون ثمة اختلاف بينه وبين البخاري، لكني لم أجد شيئا يساعد على ذلك، ولقد كان من السهل علي أن أرد هذا المثال المتشابه إلى المحكم وأن أشك في صيغة النقل، لأنه منقول بالواسطة عن كتاب التفصيل لمسلم، بل أخشى أن تكون الجملة الأخيرة من كلام ابن رجب.
قال مسلم:"لا يثبت له سماع" فأين هذه العبارة من عبارة:"لا أعلم له سماعا"، العبارة التي ذكرها مسلم هنا تدل على نفي السماع حقا، كأنه قال:"لم يسمع"، وما كان مسلم جازما فيه بأنه لم يسمع يكون خارجا عن محل النزاع، لأنه قال في مقدمة الصحيح:"إلا أن تكون هناك دلالة بينة"، وهنا لا شك أن لمسلم دلالة بينة وإن لم يذكرها، يدل عليها جزمه بأنه لا يثبت له سماع.
¥