ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:21 م]ـ
قال (74 - 75):"المثال الثالث: تذكر قصّةٌ صحيحةٌ أن مسلمًا دخل على البخاري، فقال له مسلم: ((دعني أُقَبِّل رجليك! يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدّثين، وطبيب الحديث في علله!!!)). ثم ذُكر بمحضرهما حديث كفّارة المجلس، من رواية موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. فقال مسلم للبخاري: ((في الدنيا أحسن من هذا؟! تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا؟! فقال البخاري: لا، إلا أنه معلول. فقال مسلم: لا إله إلا الله!! (وارْتَعَدَ)، أخبرني به؟ فقال: استر ما ستر الله، فألحَّ عليه، وقبّل رأسه، وكاد أن يبكي. فقال: اكتب إن كان ولا بُدّ. وأملى عليه رواية وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن عون بن عبد الله بن عتبة موقوفاً عليه، وقال له: ((لم يذكر موسى بن عقبة سماعًا من سهيل، وحديث وُهيب أولى. فقال مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك!!)).
فهذا إعلالٌ من البخاري بعدم العلم بالسماع، ويرضى به مسلم، بل يكاد يطير فرحاً به."
الجواب: إن البخاري لم يتكلم في سماع موسى بن عقبة من سهيل مطلقا، لذلك لم يذكر كلامه في كتب المراسيل، وإنما تكلم في سماعه لهذا الحديث بعينه، كما أعل حديث القضاء بالشاهد واليمين وقال: «عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس».
ذكر الشيخ حاتم المراجع التي نقل منها هذه القصة وهي: معرفة علوم الحديث للحاكم (113 - 114)، والإرشاد للخليلي (960 - 961)، وتاريخ بغداد للخطيب (2/ 28 - 29) (13/ 102 - 103)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (12/ 437)، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 715 - 726)، مع كتاب البخاري: التاريخ الكبير (4/ 105).
وبالرجوع إلى هذه المراجع ومقارنتها مع ما ذكره البخاري في التاريخ الكبير نجد بعض الاختلافات (أما القصة التي ذكر الشيخ حاتم فهي مركبة من كل تلك الكتب):
أما رواية الحاكم فقد قال عنها ابن حجر في النكت:" فيها استنكار" ووجه النكارة فيها قوله " لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث " وليس كذلك فقد جاء من حديث جماعة " ثم ذكر الأسانيد التي جاء بها هذا الحديث.
وسبب الاستنكار هذا موجود في رواية الخليلي أيضا إلا أنه من قول مسلم.
وعلى التسليم بصحة هذه القصة فالبخاري قال هو معلول (كما هو وارد في القصة) ولم يتوقف فيه مما يدل على أنه يقصد ترجيح عدم سماعه، ولو قصد عدم علمه بالسماع لتوقف فيه، ولكن لا يظهر في القصة سبب رد البخاري لهذه الرواية، لأن قرينة عدم ذكره للسماع لا تقوى أن ترد بها الروايات، لكن بالرجوع إلى التاريخ الكبير يعرف أن سبب رد هذه الرواية هو وجود قرينتين: الأولى هي عدم ذكره للسماع (وهذه واردة في القصة) والثانية هي وجود الواسطة.
ومسلم لا يخالف في أن ما توفرت فيه قرائن عدم السماع أنه يرد، فلا غرابة أن يوافق البخاري فيما ذكره.
ولهذا لا يصح الاحتجاج بهذه القصة على مذهب البخاري أصلا، فكيف يلزم الخصم بها على أن مسلما على مذهب البخاري. إنما يصح إلزام الخصم إذا وجدت رواية يتوقف فيها البخاري لعدم ذكر الراوي للسماع، ويوافقه مسلم على ذلك.
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:22 م]ـ
قال (122 - ):"الدليل العاشر: صحيح البخاري نَفْسُه.
.... (نعم. . حديثٌ واحدٌ فقط) لم يتحقّق فيه ذلك الشرط، لأنّ هذا الحديث الواحد دلَّنا على أن البخاري مع شدّة احتياطه وتَوَقِّيه لكتابه لم يَرَ في انتفاء ذلك الشرط ما يُخالفُ الصحّةَ والشروطَ التي أقام عليها كتابَه.
وقد قرّر صحّة هذا الدليل الحافظُ ابن حجر (قبل غيره)، وهو المنافح عن صحيح البخاري، والذي لم يكن يُساوره أدنى شك في أن البخاري يشترط العلم باللقاء. فإنه قال مُجيبًا على الإمام مسلم: ((وإنما كان يتمُّ له النّقْضُ والإلزامُ لو رأى في صحيح البخاري حديثًا معنعنًا لم يثبت لُقِيّ راويه لشيخه فيه، فكان ذلك واردًا عليه))."
¥