الجواب: نعم دليل واحد يكفي لإلزام البخاري والرد عليه لا لبيان أن البخاري على مذهب مسلم، فكلام ابن حجر في واد والشيخ حاتم في آخر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا يتم النقض على البخاري إلا إذا سلم البخاري عدم توفر الشرط أما إذا كان مثبتا للاتصال وغيره ناف له فهذا لا يلزمه ولا ينقض عليه مذهبه فضلا عن أن يشكك في نسبة هذا القول إليه.
ومع التسليم بوجود حديث واحد أو حديثين بين فيهما البخاري عدم اللقي وذكرهما في الصحيح، يبقى السؤال: هل البخاري معصوم عن الخطأ؟ وهل ينقض كل كلام البخاري البين في مواضع كثيرة بمجرد حديث أو حديثين؟ بل الواجب أن تتأول تلك الأحاديث اليسيرة إن وجدت، وتحمل على ما يوافق المعروف عنه، أو تحمل على أنها أخطاء خالف فيها مذهبه.
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:24 م]ـ
قال (131):" وأمّا الوجادة: فقد قال الدارقطني في (التتبع): ((وأخرجا جميعًا حديثَ موسى بن عقبة، عن أبي النضر مولى عمر بن عُبيدالله، قال: كتب إليه ابن أبي أوفى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تَمَنَّوْا لقاء العدوّ. . (الحديث، ثم قال الدارقطني:) وهو صحيحٌ، حُجّةٌ في جواز الإجازة والمكاتبة، لأن أبا النضر لم يسمع من ابن أبي أوفى، وإنما رآه في كتابه)). والصحيح أن هذه الرواية وجادة، لأنها من رواية سالم أبي النضر عن كتاب ابن أبي أوفى إلى عمر بن عُبيد الله. كما بيّنه الشيخ مقبل الوادعي في تعليقه على (التتبع) للدارقطني، خلافًا لما توصّل إليه الحافظ."
والجواب: مَن مِن أهل العلم زعم أن البخاري يقول بها قبل الشيخ مقبل رحمه الله، وهل يصلح مثال واحد مبني على اجتهاد ونظر لم يخطر ببال البخاري لأن ينسب إليه مذهب لم ينقل عن أحد من نقاد أهل الحديث، ثم لا أدري ما هو قول الشيخ حاتم فيها؟ لا أدري هل هو يعدها صحيحة على قول مسلم؟ أم يريد أن يفهمنا بأن البخاري يحتج بالمراسيل؟
قال طاهر الجزائري (توجيه النظر 1/ 242 - 243):" قلت فلا علة فيه لكنه ينبني على أن شرط المكاتبة هل هو من الكاتب إلى المكتوب إليه فقط أم كل من عرف الخط روى به وإن لم يكن مقصودا بالكتابة إليه؟ الأول هو المتبادر إلى الفهم من المصطلح، وأما الثاني فهو عندهم من صور الوجادة، لكن يمكن أن يقال هنا: إن رواية أبي النضر تكون عن مولاه عمر بن عبيد الله عن كتاب ابن أبي أوفى إليه، ويكون أخذه لذلك عن مولاه عرضا لأنه قرأه عليه، لأنه كان كاتبه، فتصير والحالة هذه من الرواية بالمكاتبة كما قال الدارقطني".
ونذكر أحد أسانيد البخاري لمزيد البيان: قال البخاري (2861):" حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عاصم بن يوسف اليربوعي حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة قال حدثني سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله كنت كاتبا له قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية فقرأته فإذا فيه ... "
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[19 - 07 - 07, 09:26 م]ـ
قال (163):"ثالثًا: صورة الاستقراء التي يظن صاحبُ هذه الشبهة أن العلماء قد قاموا بها، والتي يطالبني بالقيام بها حتّى يصحّ لي الردّ عليهم (في رَأْيِه) هي الصورة التالية:
أن آتي إلى كل إسنادٍ في صحيح البخاري، وإلى كل راويين في كل إسنادٍ فيه، روى أحدهما عن الآخر بالعنعنة، لأبحثَ حينها في جميع روايات ذلك الراوي عمّن روى عنه، لا في صحيح البخاري وحده، ولا في الكتب الستة، ولا الستين. ."
الجواب: أما الاستقراء الذي وصفه فهو الاستقراء التام الذي لا يكاد يقع ولا يشترطه إلا المناطقة و المتأثرون بمنهجهم وابن حزم وأمثاله من الظاهرية الذي لا يقبلون إلا الاستدلال بالقطعيات. أما جماهير العلماء فيحتجون بالاستقراء ويرون إمكانه ولا يشترطون فيه أن يكون تاما ويزعمون أنه ظني قابل للتعديل وللتخطئة، لكن لا يعدل ولا يخطأ إلا باستقراء مقابل، وإذا أطلق الاستقراء في لسان علماء الشريعة فهذا هو المعنى المقصود، ومنه يعلم فساد قول الشيخ حاتم (164):"أمّا الاستقراء الذي يُطالبني به صاحبُ هذه الشبهة، فهو نفس الاستقراء السابق ... الخ.
لكني أعود فأختم الردّ على هذه الشبهة بأن أقول: مَنْ قال إنّ الحجّة في الاستقراء وحده، ولا حجّة في غير الاستقراء؟! حتى تُلزمني به!! "
الجواب: إذا لم تكن الحجة في الاستقراء فأين الحجة إذن؟ حتى نلتزمها في البحث، إن الاستقراء منهج إسلامي في الكشف عن الحقائق معتمد في علم الفقه والأصول واللغة والحديث، فلماذا لا يكون حجة في مسألة الإسناد المعنعن.
الاستقراء لا يقتصر على الصور العملية التي ذكر الشيخ حاتم، بل يتضمن الأدلة أيضا، فمن الأمور الداخلة في الاستقراء: أقوال البخاري:"لا أعلم له سماعا" في بعض الرواة، ومن الأدلة التي تدخل في الاستقراء بعض الأدلة الموجودة في البخاري مثل رواية البخاري لأحاديث لا علاقة لها بالباب لإثبات سماع راو روى عنه قبل بالعنعنة، وغيرها من الأدلة، فالمحتج بالاستقراء هو محتج بأدلة مختلفة متكاثرة، بحيث تمكنه كثرة هذه الأدلة من نسبة قول إلى البخاري وإن لم يوجد مصرحا به عنده.
ولهذا كان من فوائد الاستقراء إعطاء حكم لما لم يرد فيه قول لعالم، فالراوي في البخاري الذي لم يثبت لقيه ممن روى عنه يحكم له باللقي بناء على معرفة شرط البخاري أنه يشترط اللقي، ولو قلنا بالاستقراء الذي ذكره الشيخ حاتم لما بقي لهذا الاستقراء فائدة، سوى معرفة أنه شرط البخاري. والله أعلم.
¥