تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3. البعد التواصلي: عمل القرآن الكريم على ابتكار أساليب تواصلية فعالة، حيث نجده ينوع هذه الأساليب بحسب المقام والسياق، مما يجعله يتجاوب مع النفس البشرية في أبعادها المختلفة والمتنوعة، فمرة يخاطب فيه العقل، ويرشده إلى إعمال الفكر والنظر، والتفكر في الخلق، واستنباط السنن الكونية، ومرة يخاطب فيه الروح بأشواقها وتطلعاتها، وآمالها وآلامها. ومرة يرشده إلى الاستدلال المنطقي، و مرة يفتح عينيه على البديهيات. ويستعمل أسلوب الترغيب والترهيب، والقصة والمثل. مما جعل من القرآن الكريم منظومة تواصلية بالغة التأثير في المتلقي.

4. البعد الجمالي: لقد صيغ البناء المعرفي القرآني صياغة لغوية توفرت لها مقومات الجمال، وذلك بمراعاة القرآن الكريم التناسب بين أبعاده الأربعة بحيث لا يطغى بعضها على بعض، وإنما جعل بعضها يكمل الآخر، إنه البناء القرآني المتميز بالجلال والجمال.

عند قراءتنا القرآن الكريم قراءة تدبر تستعمل الأدوات اللسانية الحديثة، نفاجأ بهذه الأبعاد القرآنية السالفة الذكر تحملني على الدراسة والبحث بغية اكتشاف أسرارها حيث يكمن جزء كبير من الإعجاز القرآني. خاصة عندما يصبح الأمر متصلا بالبيان وإقامة الحجة والتدافع الحضاري. بعد أن تعالت أصوات هنا وهناك داعية لقراءة القرآن الكريم قراءة حرة مطلقة، ونادى آخرون بدمقرطة التفسير و أنه حق لكل إنسان. وظهرت قراءات جديدة للقرآن الكريم تتدثر في الغالب بمناهج لسانية، وسوسيولوجية، وتاريخية، وإنتروبولوجية، أدت إلى تحريف المعاني القرآنية، وإخراج النصوص عما هو مجمع عليه، فضلا عن تناقضها مع الحقائق الشرعية، وتعارضها مع مقاصد الشريعة الإسلامية، ومرد ذلك لعدم احترامها لخصوصيات القرآن الكريم، ومعاملته كسائر النصوص البشرية.

وليس معنى ذلك أننا نريد حجب هذه المناهج عن مقاربة الخطاب القرآني، بقدر ما نريد بيان حقيقة أساسية تتعلق بالقراءة الإيجابية للقرآن الكريم، وهي القراءة المقاصدية، التي تحفظ للقرآن الكريم خصوصياته، وتحقق مقاصده، ككتاب هداية، يبين للناس ما يحقق صلاحهم في الحال والفلاح في المآل.

إن كل منهج من المناهج المذكورة آنفا ـ متى احترم خصوصيات القرآن الكريم ـ يمكننا من الوقوف على مراد الله تعالى من الخطاب القرآني بحسب القدرة البشرية، حيث سينتهي بنا إلى قراءة ثلاثية الأبعاد:

أ. التلاوة.

ب. التدبر.

ت. التطبيق.

مما سبق يتبين لنا ضرورة البحث في لسانيات القرآن الكريم و مظاهر اتساقه وانسجامه، في محاولة جادة لنبرز للعالمين أن القرآن الكريم خلاف ما يوحي به ظاهره للبعض بأنه مفكك لا تنتظمه أية وحدة، وأنه عبارة عن تعاليم و طقوس لا وجود لخيط ناظم يجمع بينها إن القرآن على العكس من ذلك تنتظمه وحدة من نوع خاص تمثل فرادته و إعجازه، إنها الوحدة النسقية.

إن عدم استحضار المقصد من قراءة القرآن الكريم يوقعنا في خطأ اعتبار القراءات المقترحة ـ والتي لا تأخذ بخصوصيات القرآن الكريم، ولا تعتد بقواعد وأصول التفسير ـ قراءات علمية، والنظر إلى القراءة المقاصدية التي اعتمدها جل المفسرين من أهل السنة والجماعة على أنها قراءة غير علمية وغير موضوعية، مما يعتبر في نظرنا قلبا للحقائق، وتسويغا لمشاريع أيديولوجية بركوب موجة تعدد القراءات.

والواقع إن القراءة العلمية الرصينة، المتبنية لمناهج تحليل الخطاب، والمعتمدة للقراءة المقاصدية، القائمة على احترام خصوصيات القرآن الكريم، واعتماد قواعد التفسير وأصوله، من شأنها أن تبرز تميز القرآن الكريم وفرادته، فهو كلام الله المعجز، الخارج عن معهود كتابات البشر، والذي لا يخضع لمعهود الوحدة التي يتعارف عليها البشر في الكتابة و التأليف، ومن ثم فإنه يتفرد بوحدة خاصة تتمثل في وحدة الأهداف والمقاصد، من حيث البناء الدلالي والمفاهيمي (الانسجام)، ومن حيث بناؤه التركيبي فإنه يتماسك بدمج الأدوات التركيبية مع الأساليب الفنية (الاتساق) هذه الخاصية التعبيرية و التواصلية و الجمالية التي يمتاز بها القرآن الكريم تجعل الإنسان في حيرة من أمره، إذ إنها ألغت ما تعارفنا عليه في عالم المعرفة اللسانية، ومناهج تحليل الخطاب من تفريق بين المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية، والدلالية والأسلوبية والتداولية، ليتم تماسك النص

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير