/ الخطاب القرآني على غير معهود البشر، و بطريقة مضمرة لا يمكن الكشف عنها إلا بعد إعمال العقل و النظر، وذلك سيرا على المنهج القرآني في التربية العلمية والفكرية.
إن ما نروم الكشف عنه في هذه الأطروحة هو الكيفية التي تم بها إبراز ذلكم الجهاز المفاهيمي المتمثل في العقيدة والشريعة، والأخلاق والسلوك، والمبادئ والقيم عبر قناة اللغة / النص / الخطاب، وما هي العلاقة القائمة بين هذه المضامين والأشكال اللغوية والتعبيرية التي حملتها إلى العالمين، و بمعنى آخر هل كلما انتقلنا من تصور أو مفهوم إلى تصور آخر كلما تغيرت معه اللغة / الأداة؟ و نقصد باللغة هنا جميع مستوياتها بدءا بالمستوى الصوتي، و مرورا بالمستوى التركيبي والجمالي / الأسلوبي، وانتهاء بالمستوى الدلالي و التداولي.
إن هذه التساؤلات كلها تولد سؤالا مركزيا هو محور هذه الأطروحة ألا و هو كيف يتم تحقيق التوازن بين مكونات النص / الخطاب القرآني و المخاطبين به؟ ثم كيف يتماسك النص، وكيف يحدث فيه الانسجام و الاتساق؟
إن الخطاب القرآني باعتباره نصا / خطابا لغويا يهدف إلى مخاطبة كل الناس، و حامل الخطاب هو الرسول الكريم ?، وهكذا فإن مرسل الخطاب هو الله ?، والمرسل إليهم هم الناس جميعا، و الرسالة هي القرآن الكريم، و أخيرا فإن الأداة التي صيغ بها الخطاب هي اللغة العربية، أما القناة التي مر عبرها الخطاب إلى العالمين فهو الرسول ?.
و يُطرح إشكال تبعا لما ذكرناه يتمثل في أن الرسالة لكي تكون قد وصلت فعلا إلى المرسل إليهم يتعين أن يقفوا على مضمونها، و أن يعرفوا محتواها معرفة تامة. و ما لم يتم ذلك فإن المرسل إليهم يكونون في حكم من لم يتوصل بالرسالة، وهنا يواجهنا مشكل النص / الخطاب القرآني و كونه أعلن بأنه ميسر مفسر لا يحتاج إلى بيان، يقولتعالى:
ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر
إذن لماذا نجد تراثا تفسيريا هائلا، و هل هناك تناقض بين النص / الخطاب القرآني و الواقع؟.
إن القرآن ميسر لا يحتاج إلى وسائط بينه وبين متلقيه من حيث التفاعل الوجداني، أما من حيث استنباط الأحكام النظرية والعملية، واستخلاص المفاهيم والتصورات، و المبادئ و القيم فإنه يحتاج إلى تدبر وتفكر وتأمل. والتدبر هو الفهم الذي يسهل التواصل بين المرسل و المرسل إليه، و هو الأداة التي تمكن من استخلاص الجهاز المفاهيمي الذي يكون مقومات الذات، و يثبت الهوية، و يقيم الحضارة.
ورغم وجود دراسات وأبحاث تتعلق بالتناسب وتقارب بشكل أو بآخر قضية لسانيات الخطاب القرآني بصفة عامة، فقد ظلت الحاجة ملحة لدراسة تحيط بمكونات النص / الخطاب القرآني، و تبرز العلاقات التي تربط بينها سواء على المستوى التركيبي أم الدلالي أم الأسلوبي الجمالي، ولا تغفل دراسة الجانب التداولي الذي يشكل هو الآخر عاملا هاما من عوامل تماسك النص / الخطاب القرآني.
إن الرغبة في إنجاز وتحقيق هذه الدراسة المتكاملة التي تستشرف مقاربة النص / الخطاب القرآني بأدوات منهجية حديثة مستقاة من اللسانيات ومناهج تحليل الخطاب، مع مراعاة خصوصيات القرآن الكريم، ومحاولة استخلاص نظرية متكاملة في التفسير، هي التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع لإعداد أطروحة الدولة، فضلا عن الكشف عن مظاهر اتساق الخطاب القرآني و انسجامه مع تحديد المعالم الكبرى للسانيات تصلح لمقاربة الخطاب القرآني يجوز لنا أن نصطلح عليها بلسانيات الخطاب القرآني.
أما عن الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث فيمكنني إجمالهافي ما يلي:
1 - اتساع مجال البحث، و تشعب قضاياه و دقتها.
2 - قلة المصادر و المراجع التي قاربت القرآن الكريم مقاربة لسانية بصفة عامة، و مقاربته بلسانيات النص بصفة خاصة، مع التأصيل لهذه المقاربة.
¥