ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[07 - 06 - 07, 12:57 ص]ـ
5 - "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً"
تأثر بوبر باعتراف أينشتاين أنه كان يعتقد أن نظريته العلمية عن الكون لا يمكن الدفاع عنها مع أن نظريته النسبية تلك كانت قد اكتسحت كل الدوائر العلمية واشتهرت عند الخاص والعام كما لم تشتهر نظرية علمية من قبل.كان اينشتاين يرجو فقط أن تصمد أمام مجموعة من الاختبارات التمحيصية.
فالموقف العلمي إذن موقف نقدي في جوهره، لا يسعى إلى إثبات ما هو كائن بل طموحه الوحيد هو إيجاد اختبارات حاسمة لدحض ما يقوله العلماء ... فتبدو المفارقة غريبة: إن العلم لن يكون علما إلا إذا أبطل ذاته!!
قال كاتب مادة كارل بوبر في موسوعة اينيفرساليس معلقا:
"إن من نتائج تبني مثل هذا المعيار المميز للعلم عن غيره-يقصد معيار التكذيب-أن يغدو الوضع الاعتباري للنظريات العلمية وضعا افتراضيا إلى الأبد ... "
معنى هذا أن الفرضية العلمية حتى لو أنها صمدت أمام طلقات رصاص التكذيبيين وراوغت الاختبارات التمحيصية فإنها لن تكتسي أبدا صبغة اليقين .... هي فقط صامدة إلى حين.
هذه الحقيقة المحزنة هي التي جعلت بوبر يعترف بكل مرارة:
”نحن لا نعلم ... ليس في وسعنا إلا الافتراض والاحتمال’’
-قارن بين تواضع الكافر وبين الاحتفاء المبالغ فيه عندنا بهم-
ويقول أيضا: كل نظرياتنا فرضيات واحتمالات وهي أمتن وأفضل ما يوجد في المعرفة الإنسانية.
وكلمته هذه تصور فاجعة الغربيين:
فعندما يقول" أمتن" و"أفضل "فهو يشير إلى المعتقدات الدينية والميتافزيقية والاديولوجية الخالية من الطابع العلمي والتي نبذها العلماء ... والعلم نفسه مع أنه أرقى مما ذكر ليس بوسعه أبدا أن يصل إلى الحقيقة.
فالحمد لله على نعمة النبوة والرسالة.
وانظر إلى التجارة الخاسرة:
تخلوا عن دينهم ومعتقدهم بسبب العلم، وراهنوا على هذا العلم بكل شيء ثم اكتشفوا أنه ليس إلا بيت عنكبوت وقبض الريح.
وانظر كرة أخرى كيف صدق في الكفار قول القرآن العظيم:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]
وهل هناك ضنك أكبر من إحساس الإنسان بالخواء وعدم اليقين في أي شيء ...
-يتبع-
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[09 - 06 - 07, 05:57 ص]ـ
6 - المقامة المضيرية برواية فيلسوف العلم الهنغاري: إمر لاكتوس.
قصة ابتكرها لاكتوس أرجو أن تستمتعوا بها وأترك التعليق في الحصة المقبلة لكي لا أفسد جمالها:
القصة بكاملها يرويها ألان شالمرز الاسترالي (في كتابه نظريات العلم: ترجمة الحسين سحبان وفؤاد الصفا) عن لاكتوس الهنغاري:
"إنها قصة حالة خيالية لسلوك منحرف لكوكب من الكواكب.
فلو افترضنا عالما فزيائيا ينتمي إلى ما قبل العصر الاينشتيني، فإنه سيتخذ نقطة انطلاقه، في هذا المجال، من الميكانيكا النيوتونية، ومن قانونها المتعلق بالجاذبية واللذين نرمز إليها بالرمز (أ).
ومن شروط ابتدائية نرمز إليها بالرمز (ب).
وسيقوم انطلاقا من ذلك، بحساب مسار كوكب صغير تم اكتشافه حديثا نرمز إليه بالرمز (ج).
إلا أن هذا الكوكب ينحرف عن مساره المحسوب.
فهل سيعتبر عالمنا الفزيائي النيوتوني أن هذا الانحراف، الذي تستبعده نظرية نيوتن،يدحض، بعد الفراغ من إثباته، النظرية (أ)؟
كلا.
إنه سيفترض بأنه لا بد وأن هناك كوكبا (د) ظل حتى الآن مجهولا، هو الذي يحدث الاضطراب في مسار الكوكب (ج).
ويطلب، بعد ذلك، من عالم فلكي يمارس التجريب أن يختبر فرضيته.
والكوكب (د) هو من الصغر بحيث لا تستطيع حتى أقوى التلسكوبات المتوفرة أن تظهره للملاحظة.
فيحرر العالم الفلكي التجريبي طلبا بتخصيص اعتمادات مالية تخصص لصنع تلسكوب أعظم وأقوى،
وبعد ثلاث سنوات أصبح مثل هذا التلسكوب جاهزا.
فلو تحقق،بالفعل، اكتشاف الكوكب (د) بواسطة هذا التلسكوب، لوجب تخليد هذه الواقعة بوصفها انتصارا جديدا للمكانيكا النيوتونية.
غير أن الأمور لم تجر على هذا النحو.
فهل سيهجر عالمنا الفزيائي نظرية نيوتن، ويتخلى عن فرضيته القائلة بوجود كوكب يحدث الاضطراب في مسار الكوكب (ج)؟
كلا.
إنه سيفترض أن سحابة غبار كوني تحجب عنا ذلك الكوكب.
وسيحسب موقع هذه السحابة ويحدد خصائصها، ويطلب تخصيص اعتمادات للبحث من أجل إرسال قمر اصطناعي قصد اختبار صحة حساباته.
فلو أمكن لأدوات هذا القمر الاصطناعي (والتي هي بدورها مؤسسة على نظرية لم تختبر إلا بصورة محدودة) تسجيل وجود هذه السحابة المفترضة، لهلل العالم الفزيائي للنتيجة باعتبارها نصرا باهرا للعلم النيوتني.
لكن هذه السحابة لم يعثر عليها.
فهل يتخلى عالمنا الفزيائي عن نظرية نيوتن، وفي الوقت نفسه عن فكرة وجود كوكب يحدث الاضطراب، وعن السحابة المفترض أنها تخفيه؟
كلا.
إنه سيفترض وجود حقل مغناطيسي في هذه المنطقة من الكون، هي التي تحدث الاضطراب في الكوكب، والخلل في أدوات القمر الاصطناعي.
ويرسل قمر اصطناعي جديد.
فإذا عثر على حقل مغناطيسي في هذه المنطقة،فإن النيوتونيين سوف يخلدون في ذلك انتصارا رائعا.
ولكن الأمر لم يكن كذلك.
فهل نعتبر ذلك دحضا للعلم النيوتوني؟
كلا.
فإما أن يتقدم العالم الفزيائي بفرضية جديدة مساعدة بارعة، وإما ...... أن تقبر هذه القصة بكاملها في مجلدات دوريات علمية يتراكم عليها الغبار، فلا يسمع عنها بعد ذلك شيء."
قلت: قوله "يتراكم عليها الغبار" فيه نظر ... وإلا فلماذا خلقت مؤتمرات إعجاز القرآن؟
-يتبع التعليق على القصة-
¥