تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[د أحمد شوكه]ــــــــ[15 - 06 - 07, 06:48 م]ـ

-حاول لاكتوس أن ينقذ النظريات العلمية- من نهج صرامة التكذيب الذي اتخذه أستاذه كارل بوبر- معتمدا على تاريخ العلوم:فقد لاحظ أن العلماء قديما وحديثا كانوا يتمسكون بنظرياتهم رغم التكذيب الظاهري ... فمثلا عاشت نظرية كوبرنيكوس التي نصت على حركة الأرض حول الشمس رغم التكذيب الواضح المتمثل في إحساس الناس بالثبات والاستقرار فضلا عن عدم انفلات الأشياء وثبوتها في أمكنتها ...

ليتسنى له ذلك ميز لاكتوس في النظرية العلمية –أو برنامج البحث حسب اصطلاحه- بين شقين:

1 - النواة الصلبة للبرنامج المكونة من مجموعة من الفرضيات والمسلمات والتصورات ... وهذه النواة لا ينبغي أن يطالها التكذيب إن جزئيا وإن كليا ...

2 - حزام واق وهو مؤلف من مجموعة من الملاحظات والفرضيات المساعدة هدفها حماية نواة البرنامج ... أو امتصاص صدمة التكذيب.

لبيان هذين المكونين نعطي هذا المثل من علم الحديث-لهدف توضيحي فقط-

علم الحديث مؤسس في نواته على فرضيات ومسلمات منها:

-لا يجوز الشك في أحاديث الصحيحين.

-الأحاديث التي قبلتها الأمة صحيحة بالضرورة.

-لا يجوز أن تكون هناك أحاديث باطلة يعمل المسلمون بها وتخفى عنهم وعن علمائهم الأحاديث الصحيحة في موضوعها ...

هذه البنود ثابتة وإن خطر ببال محدث الطعن في صحيح البخاري مثلا فقد خرج من علم الحديث وسقطت عنه صفة التحديث ... والشبهات حول حديث من أحاديث صحيح البخاري لاتأتي إلا من منطلقات لا- سنية (شيعية خارجية علمانية الخ)

وعلى فرض-والفرض توضيحي لا غير- أن باحثا أثبت اضطرابا أو ضعفا في حديث واحد للبخاري فهذا لا يمكن التسليم به لأن التسليم معناه الشك في كل الاحاديث الأخرى ... ومع انهيار البخاري سينهار علم الحديث كله ...

والرد على هذا الباحث سيتم على صعيد الحزام الواقي بتكذيب تكذيبه أو بافتراض تصحيف مثلا أو دس في نسخة من النسخ الخ.

نظرية لاكتوس –وهذا ما يهمنا-لم تلغ التكذيب لكن حولته فقط من جهة إلى أخرى ... مع فتح الطريق لسلسلة من المراوغات لا تكاد تنتهي كما رأينا في قصته الخيالية التوضيحية.

ثم يأتي السؤال المعلق:

متى يعلن عن التكذيب النهائي لنظرية علمية ما دام المدافع عنها قادرا عند كل تكذيب صادر عن الخصم أن يحمي برنامجه بواسطة مزيد من الفرضيات الثانوية؟

يبدو أنه لا مناص من الجواب الآتي: الزمن هو الحاسم الوحيد في الأمر ...

ولربما قيل إن لاكتوش قد زاد الطين بلة:

فبوبر يقسم النظريات العلمية إلى قسمين:

-نظريات مفندةيجب التخلي عنها.

-نظريات لم تفند بعد، يمكن الاشتغال بها إلى حين.

أما الهنغاري فقد جعل كل النظريات متعايشة ومتنافسة محكومة بغريزة حب البقاء ... تراوغ التفنيد ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ... مع السؤال الذي يلقيه كل ذي فطرة سليمة:

أين الحقيقة العلمية في كل هذا الركام؟

لا يجد الفيلسوف والمنطقي الانجليزي برنراند راسل حرجا في أن يقول-انظر المعرفة العلمية ضمن دفاتر فلسفية اعداد وترجمة عبد السلام بنعبد العالي وصاحبه-:

"وإني أقرر-رغم ما يبدو في قولي هذا من تناقض-أن العلم الدقيق تسيطر عليه فكرة التقريب. فإن أخبرك أحد الناس أنه يعرف الحقيقة الدقيقة عن أي شيء،فثق بأنه رجل غير دقيق. ذلك بأن كل قياس معتنى به في العلم يعطى دائما مع الخطأ المحتمل، وهو اصطلاح علمي يحمل معنى دقيقا،فهو يعني ذلك القدر من الخطأ الذي يستوي في احتمال أن يكون أكبر من الخطأ الحقيقي وأن يكون أقل منه. ومن مميزات تلك الأمور التي يعرف فيها شيء بدقة غير عادية أن كل ملاحظ فيها يسلم باحتمال خطئه، ويعرف مدى الخطأ الذي يحتمل أن يقع فيه. أما الأمور التي يكون الصواب فيها أمرا لا يمكن تثبته فلا يسلم أحد

بأن هناك أدنى احتمال لأدنى خطإ في آرائه. فمن ذا الذي سمع رجلا من رجال الدين أو السياسة يبدأ خطابه أو يختمه بإشارة عن الخطإ المحتمل في آرائه؟ ومن عجيب الأمر أن التأكد الذاتي يتناسب تناسبا عكسيا مع التأكد الموضوعي. فكلما قل ما يبرر صواب رأي المرء،زادت حماسته في توكيد عدم وجود ظل من الشك في أنه على الحق المبين ....

فلا يوجد إنسان علمي في روحه يؤكد أن ما يعتقد الآن في العلم هو الحق تماما، بل يؤكد أنه مرحلة في الطريق إلى الحق التام ...

واضح أن هذا الملحد يحفر هوة لا يمكن ردمها بين العلم والدين ..

فهو يسخر من الدين لانبنائه على الإيمان ... ويسخر من أهله من نزعتهم الوثوقية ... فهم بذلك –عنده- أبعد الناس عن الروح العلمية تلك الروح القائمة على النسبية وعدم اليقين.

فإن كان أهل مؤتمرات الإعجاز يعتقدون أن رأسا صلبة كرأس برتراند راسل يمكن أن تسلم أو تؤمن لمجرد توافق لفظ قرآني مع لفظ وارد في فرضية علمية معاصرة .. فقد باؤوا بالغفلة والسذاجة .... راسل الهالك هو نموذج لرجل العلم الغربي الذي يشكك في أدق التنائج العلمية ويلقي بظلال التوجس على الملاحظات المشفوعة بالأرقام والاحصائيات الصادرة عن قمم الدوائر العلمية ... فهل سيستجيب لمن يؤول له لفظا قرآنيا ويربطه بفرضية لعالم غربي،هذا العالم الغربي نفسه لو قال لراسل إن فرضيته يقينية لسخر منه ومحاه من ديوان العلماء؟؟؟

-يتبع-

شكر الله سعيك يا أبا عبد العزيز ونفع بك .. وكنا نتمنى من جنابكم أن تذكرو لنا مصادر تلك الأقوال التي اثبتموها كي نتقيها من مظانها الأصيلة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير