تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[24 - 06 - 07, 05:17 ص]ـ

ثانيا: المقصد النفسي:

للجنتين انعكاسات جمالية في بصر صاحبها .. كما لهما إيحاءات نفسية بالغة الأهمية ...

هذه الإيحاءات تنصب في بؤرة واحدة هي: استشعار الأمن والإحساس بالطمأنينة.

1 - حففناهما بنخل:

يبدو أن الثروة الأساس هي العنب: قال عز وجل:"جنتين من أعناب"أما النخل فقد أنيطت به وظيفة أخرى هي الحماية –مع كونه من ضمن الثمرات- فالنخل يحف الجنتين بحيث يتم عزلهما عن الخارج .. واضح أن قامات النخل الباسقات ملائمة لهذا الشأن ... ويستتبع هذا العزل تمحض الملكية ... والإحساس بالتملك.

بدون إحاطة النخيل لا يحصل ذلك الإحساس ... لك مثلا أن تقارن بين إحساس صاحب شقة في عمارة وصاحب فيلا مسورة .. فتمحض الملكية عند الثاني أقوى بكثير من تمحضها عند الأول ... نحن هنا لا نتحدث عن الملكية من وجهة نظر قانونية قائمة على الرسوم والصكوك .. ولكن من منظور الشعور والإحساس.

ثم انظر كيف قال عز وجل بعد ذلك:

"ودخل جنته وهو ظالم لنفسه."

فعل "دخل" يفترض الانتقال من فضاء مفتوح إلى فضاء مغلق ..

من فضاء عمومي شائع إلى فضاء خصوصي محفوف بالشجر الباسق حيث الإحساس بالحميمية والعزلة عن الآخرين ... وقد جاء دخوله-فعلا- لجنته عقب محاورة صاحبه قطعا لها، وانفصالا عن صاحبه القديم.

2 - أعناب ونخل.

لتحقيق مقصد الشمول اختار البيان القرآني المعجز النوعين من الشجر لما في ثمرهما من أحوال وعطاءات:

-حالة التفكه: العنب فاكهة والتمر كذلك –البسر والرطب-

-حالة التقوت: العنب يخزن زبيبا، وكذلك التمر.

-حالة التوسع: العنب يعصر ...

وخلف هذا التنوع نجد مرة أخرى الإحساس بالأمن:

فلما كان التمر والعنب يقبلان التخزين ... تجاوزت مدة الاستفادة زمن جني العنب والتمر لتشمل السنة كلها- بل السنوات-وهذا أدعى لاستشعار الأمن الغذائي.

3 - وفجرنا خلالهما نهرا.

مع النهر –الماء الضروري للحياة-يصل الإحساس بالأمن إلى أعلى درجاته، فالرجل يجد حاجته من السقيا في الأرض القريبة لا في السماء البعيدة: ثم إن الغيث قد يأتي وقد يتخلف أما النهر فماكث دائم ... ولم لا يطمئن:

-والماء غير بعيد فهو وسط الجنتين.

-وهو غير قليل فالقرآن استعمل كلمة" فجرنا" الموحية بقوة الماء وغزارته.

-ثم هاهنا إشارة إعجازية تكشف أن القرآن تنزيل ممن لا يخفى عليه شيء ...

قال عز من قائل:

فجرنا خلالهما ...

فمنبع النهر من مكان ما في الجنتين ولم يأت من خارجهما ... فالرب العظيم فجر الماء في الجنتين ولم يسقه إليهما مثلا ... لماذا؟

لو جاء النهر من الخارج لانعدم الاحساس بتمحض الملكية ... ولربما شابه نوع من القلق والخوف:من يدري فقد يقوم غيره بتحويل مجراه أو تلويثه ...

ولكي يمعن الرجل في الشعور بالتفرد والاستقلالية جعل الله النهر منفجرا في جنته ذاتها ..

فكانت نتيجة الاستدراج أن قال الرجل:

"ما أظن أن تبيد هذه أبدا .... "

وهذا ما سنلاحظه في تأملنا للمقصد الخلقي.

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[01 - 07 - 07, 11:19 م]ـ

المقصد الخلقي:

أولا:

ابتدأ المثل بحالة متجانسة لا تميز فيها فقد جرد الشخصان من كل السمات الفارقة ولم يذكرا إلا بأعم صفة مشتركة"رجلين"

ثم وقع الشرخ الإجتماعي في صورة تفاوت الملكية: "جعلنا لأحدهما جنتين" فنشأت أول سمة فارقة: غنى/فقر ... ثم تولدت عنها السمات الفارقة الأخرى تترى.

وفي التنصيص على العدد اثنين تحريك للضمير وتوجيه للنظر:

فهنا رجل له جنتان أي ملكية فائضة ... وثمة رجل آخر ليس له من الملكية شيء، فالوضع يقتضي المواساة وجبر الخاطر ..

لكن الغني كانت له وجهة غير الوجهة المنتظرة من ذي فكر سديد.

قال –في أول ما قال-:

أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً.

ليست المواساة ولكنها النكاية ...

ليس جبر الخاطر ولكنه التشفي ...

ليس السعي في تخفيف الفرق ولكن العمل على إظهاره قولا بعد الفعل ...

والحصيلة ازدياد ألم الفقير والوقوع تحت قهرين:

القهر المادي المتمثل في فقره.

والقهر الرمزي أو المعنوي الناتج عن مقالة صاحبه المستكثرة من المال والنفر.

فنلحظ الابتلاء المزدوج في أحكم صورة وأمتنها:

-تراكم المنافع المادية عند المطالب بالشكر.

-وتضاعف الهموم (ماديا ومعنويا) عند المطالب بالصبر.

ثانيا:

"جعلنا لأحدهما جنتين"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير