ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[17 - 09 - 07, 06:09 ص]ـ
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37} لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً {38} وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً {39} فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً {40} أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً {41}
هذا أطول مقاطع المثل المضروب، ويبدو أن المؤمن اتخذ استرسال الخطاب أسلوبا في الحوار، عكس اقتضاب الخطاب عند صاحبه ..
وقبل محاولة الكشف عما تضمنه هذا الاسترسال نسجل ملاحظتين إجماليتين:
1 - جاء المثل المضروب تصديقا وتثبيتا للسنة الإلهية العامة في تقدم الإنذار على الأخذ بالذنوب،وإقامة الحجة قبل فتح باب العذاب ..
"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"
فالإحاطة بالثمر لم تأت- لفظا- عقيب كفر الغني، ولكنها جاءت إثر الإنذار الطويل من قبل صاحبه المؤمن ..
فيكون المثل قد انتظمت فيه الحالات الأربع الثابتة في مصارع الأفراد و الأمم:
أ-حالة فتح أبواب النعمة على سبيل الاستدراج والابتلاء.
ب-حالة الكفر والبطر والإسراف على النفوس.
ج-حالة بعث من يقوم بالإنذار.
د-حالة الهلاك بعد تأكد عدم جدوى التحذير.
2 - يكشف مقال المؤمن عن ثابتة أسلوبية تميز خطاب الإيمان عن غيره، تلكم الثابتة هي استحضار الاسم الجليل على طول وعرض مساحة الخطاب.
جاء في سنن ابن ماجة:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(صححه العلامة الألباني)
أما الكفار والمنافقون فهؤلاء لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ..
إن الصاحب المؤمن قد ذكر ربه ثلاث مرات:
هُوَ اللَّهُ رَبِّي
وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي
فَعَسَى رَبِّي
وذكرإلهه ثلاث مرات:
لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ ..
مَا شَاء اللَّهُ
لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ..
(فضلا عن الاسم الموصول والضمير المنفصل والضمائر المستترة العائدة على رب العزة.)
وفي المقابل لم يجر اسم الله على لسان الكافر إلا مرة واحدة:
وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي.
وهكذا يضع القرآن الحكيم بين أيدينا معيارا حقيقيا لتصنيف الخطابات:فحسبك أن تحصي كم مرة يرد اسم الله في خطاب ما لتصنفه بكل طمأنينة في المرتبة التي يستحقها ..