تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذلك قال الني صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس (إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة) قال يا رسول الله , أهما خلقان تخلقت بهما , أم جبلني الله عليهما , قال (بل جبلك الله عليهما). فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله) (2).

فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا , ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع , لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له , لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف , ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة , ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء , ومن حُرم هذا – أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع – فإنه يمكنه أن يناله

عن سبيل التطبع , وذلك بالمرونة , والممارسة كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيما بعد.

ــــــــــ

(1) أخرجه أحمد في المسند2/ 381 , والحاكم في المستدرك2/ 613 , وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي , وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم45 , (2) أخرجه أبو داود رقم5225 , وأحمد 4/ 206

...

من الأفضل؟

وهنا مسألة وهي: أيهما أفضل رجل جُبل على خلق حميد , ورجل يجاهد نفسه على التخلق به , فأيهما أعلى منزلة من الآخر؟

ونقول جواباً على هذه المسألة: إنه لاشك أن الرجل الذي جُبل على الخلق الحسن أكمل من حيث تخلقه بذلك , أو من حيث وجود هذا الخلق الحسن فيه , لأنه لا يحتاج إلى عناء ولا إلى مشقة في استدعائه , ولا يفوته في بعض الأماكن والمواطن , إذ أن حسن الخلق فيه سجيه وطبع , ففي أي وقت تلقاه تجده حَسَن الخلق , وفي أي مكان تلقاه حَسَن الخلق , وعلى أي حالٍ تلقاه حَسَن الخلق , فهو من هذه الناحية أكمل بلا شك.

وأما الآخر الذي يجاهد نفسه ويروضها على حسن الخلق , فلا شك أنه يؤجر على ذلك من جهة مجاهدة نفسه , وهو أفضل من هذه الجهة , لكنه من حيث كمالُ الخلق أنقص بكثير من الرجل الأول.

فإذا رزق الإنسان الخلقين جميعاً , طبعاً وتطبعاً كان ذلك أكمل , الأقسام هي:

1 - من حرُم حسن الخلق طبعاً وتطبعاً

2 - من حرمه طبعاً لا تطبعاً

3 - من رُزقه طبعاً لا تطبعا

4 - من رُزقه طبعاً لا تطبعاًً

ولا شك أن القسم الثالث هو أفضل الأقسام لأنه مع بين الطبع والتطبع في حسن الخلق.

...

مجالات حسن الخلق

إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر , فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق , يكون أيضاً في معاملة الخالق , فموضوع حسن الخلق إذن: معاملة الخالق جلا وعلا , ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع.

أولاً / حسن الخلق في معاملة الخالق: حسنُ الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور: (1) تلقي أخبار الله بالتصديق (2) وتلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق (3) وتلقي أقداره بالصبر والرضا.

هذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى ,

1/ تلقي أخبار بالتصديق: بحيث لا يقع عند الإنسان شك , أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى , لأن خبر الله تعالى صادر عن علم , وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)] النساء87 [, ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها , مدافعاً عنها , ومجاهداً بها وفي سبيلها , بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل و أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه , أم كانوا من غير المسلمين الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم.

ولنضرب لذلك مثلاً - حديث الذباب - ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ولغ الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر الدواء) (1).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير