تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذهب معظم السلف و المسلمين إلى أن هذه الرحلة كانت بالجسد وفي اليقظة وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس، و جابر، و أنس، و حذيفة، وعمر، وأبي هريرة، ومالك بن صعصعة، و ابن مسعود، و الضحاك، و سعيد بن جبير، و قتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، والحسن، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج ....

وهو دليل قول عائشة، وهو قول الطبري، وابن حنبل، جماعة عظيمة من المسلمين وقول أكثر المتأخرين من الفقهاء و المحدثين و المتكلمين و المفسرين "

هكذا بين القاضي عياض رحمه الله حقيقة الاختلاف وعلة كل فريق، ولعلنا نقف على بعض الأدلة التي تؤكد حقيقة ما ذهب إليه معظم السلف وأئمة المسلمين من أنها كانت رحلة بالروح والجسد.

قال تعالى [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] (1) فكلمة عبد تُعني "مجموع الروح والجسد " ولا تُطلق على الروح فقط،

كذلك قول الله عز وجل (سبحان) فالتسبيح إنما يكون عند عظام الأمور، فأيهما أشد عظمة وأدعى إلى الإبهار وإظهار قدرة الله عز وجل، أن تكون الرحلة بالجسد والروح، أم أن تكون مناما بالروح فقط؟

كذلك قول الله تعالى في سورة النجم [مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى] (2) وقول الله عز وجل [وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى] (3) فالبصر من أدوات الذات لا الروح.

كذلك قول الله تعالى [وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ] (4)

ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (5)

وفي هذا دليل على جواز استخدام كلمة رؤيا على رؤية العين وإن كان أكثر استعمالها على رؤيا النوم (6)

كذلك قول الله تعالى " فِتْنَةً لِلنَّاسِ " دليل على كونها بالجسد والروح معا، وإلا فإن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها.

كما أن النبي قد أقر بوجود البراق الذي انتقل به إلى المسجد الأقصى ونعته بصفاته، وهذا يعنى أن النبي كان بروحه وجسده وإلا فما حاجة الروح فقط إلى البراق الذي هو مخلوق مادي يحتاج إلى جسد مادي يركبه! ففي صحيح مسلم أن النبي قال (فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ) (7) ألا يُعنى هذا أنها رحلة بالروح والجسد.

كذلك الثابت أن قريشا قد بادرت إلى تكذيب الرسول حينما أخبرهم بهذه الرحلة حتى أن بعض المسلمين قد ارتدوا كُفارا، فما الذي يحمل قريشا على تكذيب هذا الحديث إلا كونه يقظة، فلو كان مناما لتساوى عندهم بقول الرسول عن الملك الذي يأتيه من السماء في طرفة عين.

أما من خالف أقوال كل من سبق وغفل عن كل هذه الحُجج وذهب إلى أنها حالة من الصفاء النفسي الذي يكشف الحُجب، فهو دليل على حكم العقل على حدوثها، وقياس المعجزات بقدرة العقل على إدراكها قياس خاطئ، فالمعجزة مُبهرة لما ألفه الناس وما يستطيع العقل إدراكه، وإلا فأين وجه الإعجاز فيها.

أما عن تحديد وقتها فقيل كانت قبل الهجرة بسنة وقيل بستة أشهر وقيل غير ذلك، وقيل كانت في شهر رجب وقيل في ربيع الأول وقيل غير ذلك، والثابت أنها بعد وفاة خديجة رضي الله عنها لأنها لم تدرك فرض الصلاة التي فرضت في رحلة المعراج، والميل إلى أنها كانت قبيل الهجرة أقرب فقد كانت بمثابة نقطة فاصلة في تاريخ الدعوة وبداية حقيقة لطور جديد في تاريخها، فما بعدها كان منح متتالية تتخللها محن وابتلاءات حتى كتب الله لرسالته النصر والتمكين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير