تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مذبحة الإنكشارية]

ـ[همام النجدي]ــــــــ[18 - 10 - 10, 11:31 م]ـ

9 من ذي القعدة 1240هـ

الانكشارية هم فرقة من الجيش العثماني النظامي، كانت بداية ظهورهم في عهد ثاني حكام الدولة العثمانية «أورخان بن عثمان» والذي حكم من سنة 726هـ حتى سنة 761هـ، وعمل خلال هذه الفترة الطويلة على تثبيت دعائم الدولة الجديدة من خلال إصلاحات داخلية كثيرة، وكان بناء الجيش من ضمن أهم أعمال «أورخان»، وأصل التسمية «يني تشري» أي الجيش الجديد، وكان شديد الشبه في تكوينه بالمماليك الذين اشتراهم السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب وكون بهم جيشًا قويًا، وما لبثوا أن أسقطوا دولته وأقاموا دولتهم، وكانت نواة الإنكشارية من أبناء البلاد المفتوحة وأبناء الأسرى والصغار الذين يفقدون ذويهم في الفتوحات، وكان الواحد منهم يربى في ثكنات عسكرية تربية إسلامية ويدرَّبون على القتال وفنونه، فيتخرج لا يعرف إلا الجهاد والإسلام وطاعة السلطان، ليس لهم عائلة ولا روابط قبلية إلا زمالة الثكنة، وكان للإنكشارية دور كبير في الفتوحات العثمانية وكانوا قوة كبيرة في مواجهة خصوم الدولة.

ومع مرور الزمان وتوقف مسيرة الفتوحات العثمانية وانحصار الجهاد في قمع الثورات الداخلية ورد عدوان الأوروبيين، أخذت الروح المعنوية العالية للإنكشارية في الخفوت، وأخلدوا إلى الراحة بعد أن نالوا الإقطاعات والامتيازات، وتركوا ثكناتهم العسكرية التي تربوا فيها لقرون، وزادت سطوتهم ونفوذهم بعد أن عهد السلاطين لقادة الانكشارية بقيادة الجيوش، وأخذ قادة الإنكشارية في التدخل شيئًا فشيئًا في أمور الحكم، وطغى نفوذهم حتى على السلطان نفسه، وفي نفس الوقت فسدت أخلاقهم وضعفت عقيدتهم وانغمسوا في الشهوات والمنكرات، ثم زاد نفوذهم لضعف الدولة حتى أصبح لهم دور كبير في تنصيب السلطان، وفي المقابل كان على السلطان الجديد أن يرضي قادة الإنكشارية، وإذا لم يوف لهم ما يطلبون تمتد أيديهم إليه بالعزل أو بالخلع أو حتى بالقتل، فلقد قتلوا أو عزلوا كلاً من مصطفى الأول وعثمان الثاني وإبراهيم الأول ومحمد الرابع ومصطفى الثاني وأحمد الثالث، وتدخل الإنكشارية حتى في فتاوى العلماء، فلما أصدر العلماء فتوى تحريم الدخان أيام السلطان أحمد الأول هاجوا وماجوا وأجبروهم على سحب الفتوى، ولما أصدر السلطان مراد الثالث قرارًا بمنع تعاطي الخمر ثاروا وأجبروه على سحبه هذا كله وأي معركة يدخلها الإنكشارية يهزمون شر هزيمة ويفرون من أرض المعركة.

ولقد حاول عدة سلاطين التخلص من نفوذ الإنكشارية وإدخال النظم الحديثة في الجيوش، ولكنهم فشلوا وكان مصيرهم إما القتل أو العزل، مثلما حدث مع السلطان عثمان الثاني وإبراهيم الأول ومصطفى الثاني، وظل وضع الانكشارية بالغ السوء والتردي حتى عهد السلطان محمود الثاني الذي كان متأثرًا بالحضارة الأوروبية والتقدم التي آلت إليه على حساب الدولة العثمانية، وبعد الإنجازات الكبيرة التي حققها الجنود المصريون المدربون تدريبًا أوروبيًا في حروب اليونان، زاد عزمه على إلغاء نظام الإنكشارية، ودعا كبار الدولة وكبار ضباط الإنكشارية إلى بيت المفتي «فيض زاده»، وتكلم الصدر الأعظم «سليم باشا» وشرح الحالة التي وصل إليها الإنكشارية، فأبدى الجميع تأييدهم، إلا أن الإنكشارية قرروا العصيان واستعدوا لذلك، واجتمعوا في ساحة «آت ميدان»، فخرج السلطان محمود الثاني بنفسه ومعه الصدر الأعظم ورجال الدولة والعلماء ومعهم 60 ألف جندي نظامي، وأمر السلطان بضرب المتمردين بالمدافع التي كانت معدة سلفًا لقمع تمردهم، وفي يوم 9 من ذي القعدة 1240هـ صبت المدافع نيرانها المكثفة على الإنكشارية فحصدتهم بالكلية، وبعدها أصدر السلطان محمود الثاني فرمانًا بإلغاء طائفة الإنكشارية للأبد وإلغاء شعارهم وزيهم واستبدال بالعمامة والطربوش النمساوي.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير