القبيلة يعتقدون أنهم ينتمون إلى أصل واحد مشترك يجمعهم، والرابط الذي يربط شمل القبيلة ويجمع شتاتها هو النسب وأنّ هذه الرابطة تولد عندهم الشعور بالتماسك والتضامن والاندماج فيما بينهم (15).
قال ابن خلدون عن أفراد القبيلة: "لا يصدق دفاعهم وذيادهم إلاّ إذا كانوا عصبية وأهل نسب واحد، لأنهم بذلك تشتد شوكتهم ويخشى جانبهم؛ إذ إنّ النصرة لكل واحد منهم على نسبه وعصبيته أهم، وما يجعل الله تعالى في قلوب عباده في الشفقة والرحمة للنصرة ذوي أرحامهم وأقربائهم موجودة في الطبائع البشرية، وبها يكون التعاضد والولاء، وتعظم رهبة العدوّ لهم (16).
وقد جسّد الشاعر كلثوم بن وائل بن سجاح الكلبي الولاء للقبيلة والدفاع عن نسبها والاعتزاز برجالها بقوله:
إننا للصميم من يَمَنٍ ..... بنا تنال الملوك ما طلبت
كم فيهم من متوّج ملك .... وغرة الناس حين تنتسب
وأدركت ثأرها بنا العرب ..... ومن خطيب لسانه ذرب (17)
وقد رتّب علماء الأنساب القبائل العربية على مراتب لكنهم لم يتفقوا على تقسيم موحّد فيما بينهم، بالإضافة إلى أنها تصانيف نظرية أكثر مما هي عملية، ولكي يمكن تطبيقها على واقع القبائل بشكلها الكامل، فكان توظيف هذا التقسيم أكثر ملاءمة في توزيع شجرة نسب القبيلة، وكما هو مبيّن في أدناه:
1 - الجذم: وتعني به الأصل، ويعدّ قحطان الجد الأعلى لقضاعة.
2 - الشعب: وهو الذي يجمع عددًا من القبائل ويسمى شعب، كقضاعة.
3 - القبيلة: وهي دون الشعب، وما انقسم فيه الشعب أصبح قبائل، ككلب.
4 - البطن: وهو دون القبيلة، وما انقسم فيه القبيلة إلى أقسام، كبني رفيدة.
5 - الفخذ: وهو أصغر من البطن وما انقسم فيه البطن إلى فروع، كبني عذرة (18).
إنّ الاهتمام بالنسب عند العرب جعله ينتقل إلى غير العرب، وأخذوا يخترعون لأنفسهم شجرة نسب أوصلتهم بأجداد العرب القدماء (19). وكذلك فقد كان للمصاهرات بين القبائل دورها الكبير والفعال في ربط أواصر المحبة والقربى بين القبائل؛ إذ دأب سادات القوم على الزواج من بنات رؤساء القبائل الكبيرة ذات المكانة البارزة بين القبائل العربية المجاورة لها (20).
تدوين الأنساب في صدر الإسلام:
كانت عناية العرب ودرايتهم قبل الإسلام بالأنساب كبيرة، واستمر ذلك في عصر صدر الإسلام، وذلك لأنها كانت تغذي الشعراء في ميدان الفخر والهجاء والنقائض والتي أصبح لهذا الفن اهتمام كبير في تدوين وحفظ أخبار العرب ومعاركهم (21). وإنّ اهتمام الخليفة عمر بن الخطاب بتدوين أسماء المحاربين وأهليهم حسب قبائلهم أعطى للأنساب أهمية جديدة، وكان حافزًا إضافيًّا للاهتمام بهذا الجانب الاجتماعي (22).
والتي تعدّ البدايات الأولى في العصر الإسلامي وتشجيعًا كبيرًا لعملية التدوين التاريخي. وإنّ جوهر هذا الاتساع لدوافع، ويبرز منها دافع معرفي فحواه أنّ لكتب الأنساب قيمة في كتابة التاريخ العربي، وأنّ هذه الأهمية تتمحور من خلال تثبيت استمرار النوع البشري من خلال تأكيد سلسلة الانتماء ما بين الابن إلى الأب والأب إلى الجد وهكذا؛ فهي إذن دلالة بشرية تبحث في كيفية تكاثر البشر من خلال الزواج وأشكاله ونظام القرابة الذي يؤسسه نظام الزواج، ودلالة زمانية قوامها الوعي باستمرار الزمن وتقسيمه على أساس الأجيال. ومن خلال هذه المصاهرة ينتج عرضيا متحقق معرفي جوهره تطور أشكال التنظيم الاجتماعي انطلاقًا من العائلة وشكل الاتساع القرابي ومستوياته (الشعب - القبيلة - البطن - الفخذ) والأسس التي يؤسس عليها هذا التنظيم الاجتماعي ومتعلقاتها (23).
وإنّ الأنساب قد أهملها الإسلام في البداية من حيث المبدأ إلا أنها عادت فوجدت حوافز جديدة لظهورها عند تدوين الدواوين ومشكلة العطاء، فتنظيم الدواوين والعطاء وسكن القبائل وفِرَق الجيش إنما تم على أساس قبلي؛ وهذا ما أعطى الأنساب شأنًا ماديًّا أضيف إلى شأنها القبلي السياسي في التنافس بين العرب أنفسهم بعد ظهور أرستقراطية جديدة في الإسلام وتوزيع القبائل في الأمصار وتنازعها في المفاخر والمناصب، ويضاف إلى ذلك النزاع الاجتماعي مع الموالي وظهور الأفكار والحركات الشعوبية، وحاجة العرب إلى الدفاع عن مراكزهم وأوليتهم الاجتماعية (24).
¥