تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كأنها تخاطب المهاجر لأرض الله الواسعة: لا تأسف على ما تركت من أرضك, ومن بيتك, ومن مالك ... ؛ فأنت تاركها تاركها إن جاءك الأجل، فإن تركتها الآن لله؛ فهو خير لك. والهجرة أجرها عظيم! "الهجرة تجبُّ ما قبلها".

وليست تخاطب المهاجرين فقط! بل تخاطب: ((ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه)) فالنبي r يقول:" المهاجر من هجر ما نهى الله عنه, والمجاهد من جاهد نفسه" أنت ستتعب في جهادك؛ لكن هذا الجهاد يومًا سينتهي، وتموت، وستلقى نتيجة هذا الجهاد عند الله، إذا كانت هذه نهاية الدنيا، فكل اجتهادٍ وبلاءٍ هيِّن.

قال ربنا هذه الآية تهوينًا وتحقيرًا لأمر الدنيا وزخارفها.

الموت في كلِّ حينٍ ينشد الكَفَنا** ونحن في غفلةٍ عما يُراد بنا

لاتركننَّ إلى الدنيا وزهرتها وإن** توشَّحتَ من أثوابها الحسنا

أين الأحبة والجيران ما فعلوا؟ ** أين الذين همُ كانوا لها سكنا؟

سقاهم الموت كأسًا غير صافيةٍ** فصيَّرتهم لأطباق الثرى رهنا

يقول الأديب: مصطفى صادق الرافعي بعد أن تأمّل في القبر:

"ياعجبًا للناس!! كيف لا يستشعرون الموت وهو يهدم من كل حيٍّ أجزاءً تحيط به قبل أن يهدمه هو بجملته؟!

يا عجبًا للناس عجبًا لا ينتهي!! كيف يجعلون الحياة مدة نزاعٍ وهي مدة عمل؟!!

القبر كلمة الصدق مبنيةُ متجسمة، فكل ما حولها يتكذب ويتأول.

إذا ماتت كلمة (القبر) في الأحياء من غرور أو باطل أو غفلةٍ أو أثرة، بقي القبر مذكِّرًا بالكلمة شارحًا لها بأظهر معانيها.

القبر على الأرض كلمةٌ مكتوبة في الأرض إلى آخر الدنيا، معناها أن الإنسان حيٌّ في قانون نهايته. فلينظر كيف ينتهي؟.

في الحياة الدنيا يكون الإنسان ذاتًا تعمل أعمالها، فإذا انتهت الحياة، انقلبت ذات الإنسان ذاتًا يُخلَّد هو منها، فهو من الخير خالد في الخير، ومن الشر خالدٌ في الشر؛ فكأن الموت إن هو إلا ميلادٌ للروح من أعمالها تولد مرتين: آتيةٌ وراجعة.

وإذا كان الأمر للنهاية، فقد وجب أن تبطل من الحياة نهايات؛ فلا يُترك الشر يمضي إلى نهايته؛ بل يُحسم في بدئه، ويُقتل في أول أنفاسه، وكذلك الشأن في كل ما لا يَحسن أن يُبدأ، فإنه لا يجوز أن يمتد، كالعداوة والبغضاء ...

إن رؤية القبر زيادة في الشعور بقيمة الحياة؛ فيجب أن يكون معنى القبر من معاني السلام العقلي في هذه الدنيا.

القبر فمٌ ينادي: أسرعوا .. أسرعوا، فهي مدة لو صُرفت كلها في الخير ما وفت به، فكيف يضيع منها ضياعٌ في الشر أو الإثم؟!

إن أطول الأعمار لا يراه صاحبه في ساعة يومه إلا أقصر من يوم.

ينادي القبر: أصلحوا عيوبكم، فإن جاءت إلى هنا كما هي، بقيت كما هي إلى الأبد.

ثلاثة أرواح لا تصلح روح الإنسان في الأرض إلا بها: روح الطبيعة في جمالها، وروح المعبد في طهارته، وروح القبر في موعظته".

((كل نفسٍ ذائقة الموت)) هكذا الموت ينزع الإنسان ولا يشعر به، كأس كل الناس شاربها؛ لكن لا أحد يدري متى؟؟ >> ((ثم إلينا ترجعون)): وهذه التذكرة مهمة للغاية لمن يريد أن يجاهد نفسه لله!

ثم تأملي روعة الآية التي بعدها! ولم جاءت بعدها مباشرة؟: ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفًا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين (58))

التبوئة: الإنزال والإسكان.

والغرف: البيت المُعلَّى على غيره.

قال بعضهم: "مثل السُّنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى؛ من دخل الجنة في العقبى سلم، كذلك من لزم السُّنة في الدنيا سلم"

((نعم أجر العاملين)) ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من عمل بما علم، ورثه الله-وفي رواية: علمه- علم مالم يعلم".

ويقول عبد الله بن الزبير: "تقول الحكمة: من طلبني فلم يجدني، فليطلبني في موضعين: أن يعمل بأحسن مايعلمه، ويجتنب أسوأ مايعلمه".

((نعم أجر العاملين)) ما صفة هؤلاء العاملين يارب؟:

((الذين صبروا ... )) عدنا مرةً أخرى للمجاهدة!

((واصبر وما صبرك إلا بالله)((وما يلقاها إلا الذين صبروا)). ((واصبر لحكم ربك)) ((واصبر حتى يحكم الله))

نعلم أن أنواع الصبر ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على أقدار الله المؤلمة، كلها جهاد، وأعلاها جهادًا: الصبر على الطاعة؛ لأنه يشمل الأنواع الثلاثة كلها.

واجتمعت هذه الأنواع ليوسف -عليه السلام-:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير