القراءة وثمرتها، وهو كالموسيقى من جهة أن العلم لا يكفي فيه، بل هو عبارة عن ملكة حاصلة من تمرن امرئ بفكه وتدربه بالتلقف عن أفواه معلميه"12 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#12) . خذ مثلا كيفية النطق بكلمة (تَامَنَّا) في سورة يوسف، وهي كلمة مركبة من فعل مضارع مرفوع آخره نون مضمومة ومن مفعول به، فأصلها (تأْمَنُنَا) بنونين، وفيها للقراء وجهان:
• الإخفاء: والمراد به النطق بثلثي الحركة، مع الإدغام الناقص في النون. وعند النطق بهذه الكلمة نسرع اللفظ بالضمة التي على النون الأولى مُخْتَلَسَةً، ونفتح النون الثانية مُخَفَّفَة.
• الإدغام: والمراد به إدغام النون الأولى في الثانية إدغاما تاما مع الإشمام، وهو ضم الشفتين مقارنا لسكون الحرف المدغم.13 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#13)
ولا طريق إلى تحقيق النطق بهذا الحرف إلا بعد سماعه عن أهله المتحققين من كيفية أدائه، وقراءته عليهم.
وما ذكرنا من وجوب المشافهة في القراءة يشهد له عَرْضُ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآنَ على جبريل كل عام مرة، وفي عام وفاته صلى الله عليه وسلم مرتين، مع ما روي من قراءته صلى الله عليه وسلم على أُبَيِّ بن كعب سورة البينة. قال القسطلاني: " فهو صلى الله عليه وسلم إنما قرأ على أبيٍّ ليعلمه طريق التلاوة وترتيلها، وعلى أي صفة تكون قراءة القرآن، ليكون ذلك سنة في الإقراء والتعليم"14 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#14) . قال ابن الجزري:
فَلْيحرِصِ السَّعيدُ في تَحْصِيلِهِ ولا يَمَلُّ قَطُّ مِنْ تَرْتِيلِهِ
ولْيجتهِدْ فيه وفي تصحيحهِ على الذي نُقِلَ من صحيحهِ15 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#15)
وقديما قالوا: " لاَ تَأْخُذِ العِلْمَ من صَحَفِيٍّ ولا القرآن من مُصْحَفِيٍّ". والصَّحَفي هو الذي أخذ العلم من الصحف لاعن الشيوخ مشافهة، والمُصحفي هو الذي حفظ القرآن من المصحف، ولم يعرضه على أهل القرآن أهل الله وخاصته. ورحم الله من قال:
مَنْ يأخذِ العِلمَ عن شيخٍ مشافهةً يَكُنْ عَنِ الزَّيْغِ وَالتَّصْحِيفِ فِي حَرَمِ
وَمَنْ يَكُنْ آخِذاً لِلْعِلْمِ مِنْ صُحُف فَعِلْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ كَالعَدَمِ.16 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#16)
وقال أبو حيان:
يَظُنُّ الغُمْرُ أن الكُتْبَ تهدي أخا فَهْمٍ لإدراك العلوم
وَمَا يَدْري الْجَهُولُ بِأَنَّ فيها غَوامِضَ حَيَّرَت عَقْلَ الفَهِيم
إِذَا رُمْت الْعُلُومَ بِغَيْرِ شَيْخٍ ضَلَلْتَ عنِ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيمِ
وَتَلْتَبِسُ الأمورُ عليك حَتَّى تكونَ أَضَلَّ مِنْ تُوما الْحَكِيمِ 17 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#17)
ثم إنه لا يكفي السماع من فَمِ المحسن دون القراءة عليه، فقد تسمع قارئا يقرأ مباشرة أو بواسطة المِذْيَاع أو التِّلفاز، وتحاول تأدية ذلك كما سمعته، فتُوَّفق تارة وتَخفق أخرى، ولا يستطيع الكشف عن خطئك إلا المتقن الذي مَثَلْتَ أمامه، وسَمِع قراءَتك.
وللمتعلم بعد قراءته على أستاذه أن يكثر من تَكرار ما سمعه من فم المحسن المجود، ويروض لسانه على ذلك، حتى يضحى هذا العضو رطبا من تلاوة القرآن. وليس بين الأداء الحسن وتركه إلا رياضة القارئ بِفَكِّهِ. قال ابن الجزري:
والأخذُ بالتجويدِ حَتْمٌ لازمُ مَن لَّمْ يُجَوِّدِ القرآنَ آثمُ
لأنه به الإِلَهُ أنزلا وهَكَذَا منه إلينا وَصَلاَ
وَهُوَ أيضا حِليةُ التلاوةِ وزينةُ الأداءِ والقراءةِ
وَهُوَ إعطاءُ الحروفِ حَقَّهَا من صفةٍ لها ومُسْتَحَقَّهَا
وَرَدُّ كلِّ واحدٍ لأصله واللفظُّ في نَظِيره كمِثْله
مُكَمَّلا من غيِر ما تَكَلُّفِ بِاللُّطْفِ في النُّطقِ بلا تَعَسُّفِ
وليس بينه وبين تركهِ إلاَّ رِيَاضةُ امرِئٍ بِفَكِّهِ 18 ( http://www.omraan.net/modules.php?name=Universal&op=ViewItems&vid=12#18)
ثالثا: تجويد الحروف مفردة ومركبة
¥