وأما السكت: فإن آخر السورة الأولى وأول السورة الثانية آيتان وسورتان وفيه إشعار بالإنفصال لكنهم رجحوا واستحسنوا السكت في أربع سور وهن ما أوله لا , وذلك ما جاء في قوله تعالى: في آخر سورة المدثر (هو أهل التقوى وأهل المغفرة)
ذكر بعدها مباشرة قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) (القيامة 1)
وكرهوا ذكر لا بعد ذكر الجنة في مثل قوله تعالى: في آخر سورة الفجر (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)
ذكر بعدها مباشرة (لا أقسم بهذا البلد) (البلد 1)
وكرهوا الوصل بين قوله تعالى (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) (الانفطار 19) , وبين قوله (ويل للمطففين) (المطففين 1)
كما كرهوا الوصل بين قوله (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (العصر 3) وبين قوله (ويل لكل همزة لمزة) (الهمزة 1)
والكراهة إنما هي للتلاصق لا للبس وأما السكت فلحصول الفصل الدافع للتوهم.
واتفق جميع العلماء على عدم البسملة وصلاً وابتداء بين سورتي الأنفال وبراءة لأن البسملة أمان وبراءة ليس فيها أما لنزولها بالسيف أو لأن قصة إحدى السورتين شبيهة بقصة الأخرى وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيان فظن وحدتهما.
وهذا القول مردود , لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز له أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة , كما قال علماء أصول الفقوالصحيح ما ذكر السيوطي في كتابه الإتقان أن التسمية لم تكن فيها , لأن جبريل لم ينزل بها.
وقد اتفق القراء على الإتيان بالبسملة في أول سورة ما عدا سورة براءة أما أجزاء السور في غير براءة فالقارئ مخير فيها بين الإتيان والترك.
وقال: وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير براءة , لأم أكثر العلماء نص على أنها آية فإذا أخل بها القاريء كان تاركاً لبعض الختمة عند الأكثرين وإذا قرأ من أثناء السورة استحب له ذلك أيضاً.
وبعد أن ذكرنا آراء علماء القراءات في حكم البسملة , نذكر الآن رأي الفقهاء في حكم البسملة هل هي آية من سورة النمل فقط؟ أن آية من الفاتحة؟ أم آية من القرآن الكريم؟
ونذكر آراء الفقهاء وأدلتهم وما يترتب على هذا الخلاف من أثار فقهية مستعينين بالله تعالى في بيان هذا الخلاف:
آراء الفقهاء في حكم البسملة
رأي أبي حنيفة: يرى الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه أن البسملة آية تامة من القرآن الكريم أنزلت للفصل بين السور وليست آية من الفاتحة.
رأي مالك: ويرى الإمام مالك رضي الله عنه أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من شيء من سور القرآن.
رأي الشافعية والحنابلة: ويرى الشافعية والحنابلة رضي الله عنهما أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة.
دليل الحنفية: واستدل الحنفية على ما ذهبوا إليه بما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فضل السورة , وأنها قد انتهت حتى ينزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) واستدلوا بالأحاديث الواردة التي تدل على عدم قراءة البسملة في الصلاة الجهرية قبل قراءة الفاتحة وحكموا بأن البسملة آية من سورة النمل وهي آية من القرآن الكريم وليست آية من الفاتحة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكثيراً من أصحابه رضي الله عنهم كانوا لا يجهرون بالبسملة أثناء صلاتهم.
كما قالوا: إن كتابة البسملة في المصحف يدل على أنها من القرآن ولكن هذا لا يدل على أنها آية من كل سورة واستدلوا على قرآنيتها بتنزيلها.
وقالوا: إن مجرد تنزيل البسملة يستلزم قرآنيتها.الفاتحة أم لا؟ فعدها قراء الكوفة آية منها ولم يعدها قراء البصريين.
وقال: وحكي شيخنا أبوالحسن الكرخي عدم الجهر بها وهذا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة ومذهب أصحابنا أنها ليست بآية من أوائل السور لترك الجهر بها ولأنها إذا لم تكن من فاتحة الكتاب فكذلك حكمها في غيرها.
ثم يقول: ومما يدل على أنها ليست من أوائل السور ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سورة في القرآن ثلاثون آية شفهت لصاحبها حتى غفر له (تبارك الذي بيده الملك) , وقال الترمذي هذا حديث حسن.
¥