? وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ? قال مجاهد: كلّ من آمن بالله ورسله فهو صدّيق، وتلا هذه الآية. وعن ابن عباس في قوله: ? وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ?، قال: هذه مفصولة. قال ابن كثير: وقوله تعالى: ? وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ ? أي: في جنات النعيم، كما جاء في الصحيحين: «إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربك إطّلاعه فقال: ماذا تريدون؟ فقالوا: نحبّ أن تردّنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنُقتَل كما قُتلنا أوّل مرّة، فقال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون».
وقوله تعالى: ? لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ?، أي: لهم عند الله أجر جزيل ونور عظيم، ? يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ? وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال.
وقوله تعالى: ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ? لما ذكر السعداء ومآلهم، عطف بذكر الأشقياء وبيّن حالهم. والله المستعان.
قال البغوي: قوله عز وجل: ? اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ?، أي: أن الحياة في هذه الدار، ? لَعِبٌ ? باطل لا حاصل له، ? وَلَهْوٌ ? فرح ثم ينقضي، ? وَزِينَة ? منظر تتزيّنون به، ? وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ? يفخر به بعضكم على بعض، ? وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ ?، أي: مباهاة بكثرة الأموال والأولاد، ثم ضرب لها مثلاً فقال: ? كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ?، أي: الزرّاع ? نَبَاتُهُ ? ما نبت من ذلك الغيث ? ثُمَّ يَهِيجُ ? ييبس، ? فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ? بعد خضرته ونضرته، ? ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ? يتحطّم ويتكسّر بعد يبسه ويفنى، ? وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ?، قال مقاتل: لأعداء الله، ? وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ? لأوليائه وأهل طاعته، ? وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ?، قال سعيد بن جبير: ? مَتَاعُ الْغُرُورِ ? لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة، ومن اشتغل بها فله: ? مَتَاعُ ? بلاغ إلى ما هو خير منه.
وقال في جامع البيان: ? أَعْجَبَ الْكُفَّارَ ? الزرّاع، أو الكافرون، فإنهم أشدّ إعجابًا بخضرة الدنيا، ولم يذكر ابن جرير غير الثاني؛ وقال بعض المفسرين: ومعنى إعجاب الكفار: أنهم جحدوا نعمة الله فيه بعد أن راق في نظرهم، فبعث الله عليهم العاهة فصيّره كَلا شيء، ومن جعل الكفّار بمعنى الزرّاع فظاهر. قاله ابن مسعود.
وقال ابن كثير: يقول تعالى موهنًا أمر الحياة الدنيا ومحقّرًا لها: ? أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ?، أي: إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال تعالى: ? زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ?.
قال: وقوله تعالى: ? أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ?، أي: يعجب الزرّاع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث، وكما يعجب الزرّاع ذلك، كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفّار، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها.
540 A.mp3 (http://www.4shared.com/audio/9ohrvxXW/540A.html)
http://dc261.4shared.com/img/305112141/f1cc1e49/540A.png?sizeM=7
http://dc131.4shared.com/img/305112136/20e91d2d/540B.png?sizeM=7
540B.mp3 (http://www.4shared.com/audio/QPGgHT-t/540B.html)
وقوله تعالى: ? سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ? قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: ? سَابِقُوا ? أيها الناس إلى عمل يوجب لكم: ? مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ ? هذه الجنة: ? لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ?، يعني: الذين وحّدوا الله وصدّقوا رسله، ? ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ?، قال البغوي: فبيّن أن أحدًا لا يدخل الجنّة إلا بفضل الله.
عن ابن عباس: قوله: ? مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ?، قال: هو شيء قد فرغ منه قبل أن تبرأ النفس. قال قتادة: أما: ? مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ? فالسنون، وأما:? فِي أَنفُسِكُمْ ? فهذه الأمراض والأوصاب? مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ? من قبل أن نخلقها. وقال الحسن: كلّ مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن تبرأ النسمة، ? إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ?، قال ابن كثير: أي: أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها، وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله عز وجل، لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، لو كان كيف يكون. وعن ابن عباس: ? لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ? من الدنيا، ? وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ? منها. وقال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرًا، والحزن صبرًا.
? وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ?، قال البغوي: ? مُخْتَالٍ ? متكبّر بما أوتي من الدنيا ? فَخُورٍ ? يفخر به على الناس. وقوله تعالى: ? الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ?، أي: يبخلون بالواجب ويأمرون الناس بذلك. وقال ابن كثير: أي: يفعلون المنكر ويحضّون الناس عليه، ? وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ?.
¥