تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ? كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ?، أي: فرض عليكم القصاص وهو المساواة والمماثلة في الجراحات والديات: الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، قال قتادة: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبد قوم آخرين عبدًا لهم قالوا: لا تقتل به إلا حرًا، تعزيزًا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم امرأة، قتلتها امرأة قوم آخرين قالوا: لا نقتل بها إلا رجلاً، فأنزل الله هذه الآية، يخبرهم أن العبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي. ثم أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال: ? وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ?.

وقد اختلف العلماء في قتل الحر بالعبد، فذهب أبو حنيفة إلى أن الحر يقتل بالعبد لعموم آية المائدة، وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الحر بالعبد وقالوا: لا يقتل المسلم بالكافر لقوله ?: «لا يقتل مسلم بكافر». رواه البخاري. وقال أبو حنيفة: يقتل لعموم الآية. وقال الحسن وعطاء: لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية.

وخالفهم الجمهور لآية المائدة، ولقوله ?: «المسلمون تتكافأ دماؤهم».

وذهب الأئمة الأربعة والجمهور إلى أن الجماعة يقتلون بالواحد.

قال البغوي: (ويجري القصاص في الأطراف كما يجري في النفوس، إلا في شيء واحد وهو: أن الصحيح السوي يقتل بالمريض والزمن، وفي الأطراف لو قطع يدًا شلاء أو ناقصة لا تقطع بها الصحيحة الكاملة) انتهى.

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن الرّبيّع بنت النضر عمته، كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله ? فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله ? بالقصاص فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الرّبيّع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال رسول ?: «يا أنس كتاب الله القصاص». فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله ?: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره».

وقوله تعالى: ? فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ?. قال ابن عباس: ? فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ?، يعني: فمن ترك له من أخيه شيء، يعني: أخذ الدية بعد استحقاق الدم، وذلك العفو. ? فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ?، يقول: فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية، ? وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ?، يعني: من القاتل من غير ضرر ولا معك، يعني: المدافعة. وقوله تعالى: ? ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ?، يعني: أخذ الدية في العمد. قال قتادة: رحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية، ولم تحل لأحد قبلهم، فكان أهل التوراة إنما هو والقصاص وعفو ليس بينهم أرش، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به، وجعل لهذه الأمة: القصاص، والعفو، والأرش.

وقوله تعالى: ? فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ?، أي: من قتل بعد أخذ الدية فله عذاب أليم. قال ابن جرير: يتحتم قتله حتى لا يقبل العفو. وقال سعيد بن عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله ?: «لا أعافي رجلاً قتل بعد أخذ الدية». وروى أحمد عن أبي شريح الخزاعي أن النبي ? قال: «من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، وإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدًا فيها».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير