ثالثاً: أنه يخشى مع مرور الوقت، وانتشارها في الناس أن يظن أنها مما هو مشروع في الدين، وقد تكون ذريعةً للاحتفال ببداية العام وجعله عيداً، وهذا أمر منهي عنه.
رابعاً: أن في تركها احتياطاً للدين فإذا تردد الحكم بين ما قد يظن أنه مباح أو بدعة فالاحتياط في تركه، إذ ليس في تركه لو كان مباحاً محظورٌ أصلاً، مع براءة الذمة بالاحتياط من الوقوع في البدعة، وهذا بخلاف العكس.
ثانياً – التعريف بهذا الشهر، وفضله:هذا الشهر هو شهر الله المحرم، وهو أحد الأشهر الحرم،وهي: (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب)، وقد دل عليها قوله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم) التوبة:136
روى الطبري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ذكر الآية إلى قوله فلا تظلموا فيهن أنفسكم
قال: "لا تظلموا أنفسكم في كلهن ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أكبر والعمل الصالح، والأجر أعظم"تفسير الطبري (6/ 366).
وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل:
فقال الحسن البصري وغيره أفضلها شهر الله المحرم، وقال ابن رجب ورجحه طائفةٌ من المتأخرين.
وقال سعيد ابن جبير أفضل الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة.
وذهب بعض الشافعية أن أفضل الأشهر رجب.
قال ابن رجب وهو قول مردود. انظر: لطائف المعارف ص79.
ثالثاً: المشروع من الأعمال فيه:
ورد الترغيب في التقرب إلى الله ببعض الأعمال في هذا الشهر على وجه الخصوص؛بالإضافة إلى المشروع فيه من الأعمال الأخرى كغيره من الشهور.
ومن هذه الأعمال الخاصة:
1 - الترغيب في صيام هذا الشهر عموماً:
لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنهقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهرالله المحرَّم. وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة، صلاة الليل»،رواه مسلم (1163)
والسنة أن يصوم ما تمكن منه من أيام هذا الشهر لكن من غير أن يستكمله بالصوم لما أخرج الشيخان من حديث عائشة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول:لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان».
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله ... » صحيح البخاري مع الفتح، (4/ 213) ح (1970).
2 - الترغيب في صيام عاشوراء:دلت السنة على تفضيل الصيام فيه خاصة دون غيره من الأعمال. لما أخرج الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: « ... ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر- يعني شهر رمضان -» صحيح البخاري مع الفتح (4/ 245)، ح (2006)،ومسلم (2/ 797) ح (1132). وفي حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ... صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» صحيح مسلم، (2/ 818)،ح (1162).
ولصيامه مرتبتان:
أكملها: أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث.
والثانية: إفراد العاشر بالصوم.ذكرهما ابن القيم رحمه الله.
وذكر مرتبة ثالثة وهي: صيام يوم قبله، ويوم بعده، ولم يثبت بهذا دليل صحيح، وذلك لضعف رواية"يوما قبله ويوما بعده"انظر: حاشية "زاد المعاد " (2/ 76).
رابعًا: البدع المحدثة في بداية الشهر:
1 - صيام أول يوم من محرم بدعوى افتتاح السنة الهجرية بصيام أولها،مع صيام آخر يوم من ذي الحجة؛ بدعوى ختم صيام السنة بصيام آخرها؛ فهذه بدعة محدثة أحدثها بعض العوام بمقتضى الاستحسان، وتزيين النفس بصيام أول يوم في السنة وآخر يوم في آخره، وليس على هذا دليل من الشرع يدل على ذلك؛ فتكون من البدع المحدثة التي لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الصحيحين: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
2 - من البدع التي أحدثها بعض الناسُ قديماً، ومازالبعضُهم يفعلها حتى الآن: شربُ الحليب، أو ما يسمونه "بالقهوة الحلوة" (حليبباللوز) يُشربُ في صباح اليومِ الأولِ للعام الجديد،لِمَ؟ زعموالتبدأ القلوبُ صافيةً بيضاءَ مع السنة الجديدة!! وهذا الفعل لا مسوِّغَ لهعقلاً ولا حِسًّا ولا شرعاً، بل هو من البدع المحدثة.
2 - البدع المحدثة في عاشوراء:
1 - إحداث مظاهر الحزن من شق الجيوب،
ولطم الخدود،، والنياحة، والبكاء، مما أحدثه الرافضة، بدعوى الحزن على مقتل الحسين في هذا اليوم.
2 - إحداث شعائر الفرح كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقة على العيال، إلى غير ذلك مما أحدثه النواصب في الرد على بدعة الرافضة بإظهار الحزن، ثم شاع في بعض الناس فعله من غير معرفة لسبب إحداثه.
قال شيخ الإسلام في وصف حال محدثي هاتين البدعتين: "فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأتراح وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة".مجموع الفتاوى (25/ 310).
وقال رحمه الله:"ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئاً من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر السرور والفرح، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء فقال:"ما هذا؟! "فقالوا:هذا يوم نجى الله فيه موسى من الغرق فنحن نصومه.فقال:"نحن أحق بموسى منكم،فصامه، وأمر بصيامه". مجموع الفتاوى (25/ 310).
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم، وبارك، على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من موقع الشيخ الرسمي ( http://www.al-rehaili.net/rehaili/index.php?page=page&action=view&pageid=18)