316 - عن الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل (241هـ): يا أبا عبدالله، لما أُخْرِجَت جنازة ابن طِراح [الجهمي] , جعلوا الصِّبيان يصيحون: اكتب إلى مالك - يعني خازن النَّار - قد جاء حطبُ النَّارِ. قال فجعل: أبو عبدالله يسترَّ، وجعل يقول: يصيحون يصيحون.
["السنة" للخلال (1768)].
قلت: حُذِّروا وهم صِبيان من هذا الجهمي، فلمّا مات وحُمِلت جنازته، فرحوا بموته، وجعلوا يصيحون بذلك.
317 - قال علي بن الحسين بن حبان: وجدت في كتاب أبي بخطِّ يده قال: أبو زكريا إبراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك قد سمعت منه، كان ها هنا على السِّيب يصيح به الصبيان: ذا كلاس [لقب لرجل] لم يكن ثقة، ولا مأمونا، رجل سوء خبيث, [تاريخ بغداد (6/ 64)]
318 - قال ذو النّون المصريّ: مررت بأرضِ مصر، فرأيت الصِّبيان يرمون رُجلاً بالحِجارةِ، فقلتُ لهم: ما تُريدون منه؟
فقالوا: يزعمُ أنه يرى الله عزَّ وجلَّ ... ["عُقلاء المجانين" للضّراب (14)]
285 - قال أبو بكر المالكي في ["رياض النفوس" (2/ 425)] في ترجمةِ أبي بكر يحيى بن خلفون المؤدِّب الهراوي (347هـ)، كان من أقرئ أهل زمانِهِ، وكان فاضلاً، رحمه الله.
وكان قد ابتُلي برجُلٍ مشرقيّ يقف بإزاء كُتَّابه فيسُبّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ليَنْكيه بذلك ويغيظه، فلما أكثر عليه من ذلك قال لصبيانه: إذا أقبل فأخبروني، فلمّا أقبل أخبروه، فقام فاستخفى في زاويةٍ من زوايا الكُتّاب، وقال لهم: إذا وقف وسبّ ابتدروه، وأدخلوه الكُتَّاب.
فلما أقبلَ على العادةِ، وثبَ عليه الصبيان، فأدخلوه الكُتابَ، وجعلوا رجليهِ في الفلقةِ، فلما فعلوا ذلك قال لهم الهواري: ارفعوا أصواتكم بالقراءة، وقِفُوا بالبابِ، وارفعوا ألواحكم، ففعل ذلك الصِّبيان، وأقبلوا يصيحون لكيلا يعرف أحدٌ بذلك،
ثم ضربه المؤدِّب ضربًا عظيمًا حتى أدماه، وضربه الرَّأس والظَّهر،
فلما أعيا وكَلَّ، قام إليه الصبيان فقالوا: يا مُؤدِّب قد نِلت أنت سهمك مِن ضَربه، فدعنا نحن ننال من ضربِهِ مثل ما نلتَ أنتَ،
فقال لهم: دونكم، فقاموا إليه، فضربه كُلّ واحدٍ منهم ما قدر عليه، فلما لم يبق منه مِفصلٌ صحيح، أخذوه بيد ورجل فرموه في الزُّقاق ..
قلت: ولأهمية البدأ بتعليم الصِّبيان التَّوحيد والسُّنّة ألّف الشَّيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رسالة في هذا الموضوع؛
320 - قال في مقدِّمتها: هذه رسالة نافعة فيما يجب على الإنسان أن يُعلِّم الصّبيان التّوحيد قبل تعليمهم القرآن، حتى يصير إنسانًا كاملاً على فطرةِ الإسلامِ، جيّدًا على طريقة الإيمان ورُتبتهِ .. اهـ
قلت: فإذا نشأ الصَّبيّ على التّوحيد الصَّحيح والسُّنّة الصّحيحة التي لا تشوبها الأهواء ولا البدع ولا المناهج المنحرفة؛ لم تضره الأهواء والبدع بإذن الله تعالى.
287 - قال مُطرِّفُ بن عبدالله بن الشِّخير رحمه الله: كُنّا نأتي زَيْد بن صوحان، وكان يقول: يا عبادَ اللهِ أكرموا، وأَجْمِلوا، فإنّما وسيلة العبادِ إلى الله بخصلتين: الخوف، والطَّمع. فأتيته ذات يومٍ وقد كتبوا كتابًا فنسقوا كلامًا من هذا النّحو:
إن اللهَ رَبُّنا، ومحمدًا نبينا، والقرآن إمامُنا، ومن كان معنا كُنَّا وكُنّا، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكُنَّا وكُنَّا، قال: فجعلَ يعرضُ الكتابَ عليهم رَجلاً رجلاً، فيقولون: أقررت يا فُلان حتى انتهوا إليّ، فقالوا: أقررت يا غُلام؟
قلت: لا. قال: لا تعجلوا على الغُلام، ما تقول يا غلام؟
قال: قلتُ: إن الله قد أخذَ عليّ عهدًا في كتابهِ فلن أُحدِثَ عهدًا سوى العهد الذي أخذه الله عزَّ وجلَّ عليَّ؟
قال: فرجع القومُ مِن عندِ آخرهم ما أقرَّ به أحد منهم.
قال قتادة: قلت: لِمطرف كم كُنتم؟ قال: زُهاءَ ثلاثين رَجُلاً. ["الحلية" (2/ 204)]
قلت: ومع ثباتِ الصَّبِيّ على التّوحيد والسُّنّة؛ فإنّهم يكونون كذلك عَونًا لآبائِهِم بعد الله تعالى على التَّمسك بها، والثبات عليها في أشدِّ المواقفِ والمِحنِ كما
288 - قال محمد بن سُوَيد الطَّحَّان: كُنَّا عند عاصِم بن عليّ، ومعنا أبو عُبيدٍ القاسم بن سلاَّم، وإبراهيم بن أبي الليث وذكر جماعة، وأحمد بن حنبل يُضْرَبُ ذلك اليوم. فجعل عاصم يقول: ألا رجلٌ يقوم معي، فنأتي هذا الرَّجل فنُكلِّمه؟
قال: فما يُجيبه أحدٌ، قال: فقال إبراهيم بن أبي الليث: يا أبا الحُسَين، أنا أقومُ معك.
فقال: ياغلام، خُفِّي.
فقال إبراهيم ابن أبي الليث: يا أبا الحُسين، أبلُغُ إلى بناتي، فأوصيهم، وأُجَدِّد بهم عهدًا. فظننّا أنّه ذهبَ يتكَّفن ويتحنّطُ، ثم جاء فقال عاصم: يا غُلام، خُفي، فقال: يا أبا الحُسين، إني ذهبت إلى بناتي فبكين،
قال: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسطٍ: يا أبانا، إنَّه بلغنا أنَّ هذا الرَّجلَ أخذَ أحمد بن حنبل، فضربَه بالسَّوطِ على أن يقولَ: القرآنَ مخلوقٌ، فاتّق الله، ولا تُجبه إن سألك، فو الله لأن يأتِينا نعيك أحبُّ إلينا من أن يأتِينا أنّك قُلتَ القرآن مخلوق.
["المنتظم" (11/ 69)، "تهذيب الكمال" (13/ 514 - 515]
أصلح الله لنا ولكم الذُّرّية، وثبتنا الله وإيّاكم على الإسلامِ والسُّنّة، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.