أَعْمَالُ العَشْرِ الأَوَائِلِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ
ـ[محمّد حدّاد الجزائري]ــــــــ[28 - 11 - 08, 11:33 م]ـ
أَعْمَالُ العَشْرِ الأَوَائِلِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ
بسم اللّه و الحمد للّه وحده، و الصّلاة و السّلام على من لا نبي بعده. و بعد.
فإنّ ممّا يستوجب على العبد حمد ربّه؛ أنْ يمدّ اللّه له في عمره فيبلّغه مواسم الخيرات ليفتح له أبوابها و يعرض عليه بركاتها، فيجتهد و يسابق في جنّة عرضها كعرض السّموات و الأرض، [[وَ فِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ]] (1).
و قد حَبانا اللّه دون كثيرٍ ما بين مُوسَّد الثَّرى و ضالّ زاهد في الأخرى؛ بأنْ بلّغنا شهر ذي الحِجّة الحرام و أوائل أيّامه العشر، الأيّام الّتي وردت النّصوص و الآثار و الأقوال في الحديث حول فضائلها و خصائصها و شرفِها؛ فهي الأيّام الّتي أقسم اللّه بها (2) بقوله: [[وَ الفَجْرِ () وَ لَيالٍ عَشْرٍ]] (3)، و هي الأيّام المعلومات الّتي أشار اللّه تعالى إلى فضلها بقوله: [[وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَ عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ () لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ]] (4)، و هي أفضل أيّام الدّهر حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيها: ((أفضل أيّام الدّنيا أيّام العشر)) (5)، و هي الأيّام الّتي رغّب فيها النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم إلى العمل الصّالح بقوله: ((ما مِن أيامٍ العمل الصّالح فيها أحبُّ إلى الله مِن هذه الأيامِ. قالوا: يا رسول الله، و لا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: و لا الجهادُ في سبيل الله! إلاّ رجلٌ خرج بنفسه و ماله فلم يرجعْ مِن ذلك بشيء)) (6)، و هي الأيّام الّتي فيها فريضة الحجّ الّتي هي الرّكن الخامس مِن أركان الإسلام، و هي الأيّام الّتي فيها يوم عَرَفَة الّذي ورد فيه قول نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم: ((ما مِن يومٍ أكثر مِن أنْ يُعتق الله عزّ و جلّ فيه عبداً مِن النّار، مِن يوم عرفة، و إنّه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (7)، و هي الأيّام الّتي فيها يوم النّحر و هو يوم العاشر مِن ذي الحجّة الّذي رُوي فيه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: ((إنّ أعظم الأيّام عند الله تبارك و تعالى يومُ النّحر، ثمّ يوم القَرّ)) (8)، و هي الأيّام الّتي تجتمع فيها أُمّهات العبادات (9).
لكلّ هذا؛ أدرك سلفنا الصّالح و مَن تبعهم بإحسان قيمة هذه الأيّام فتنافسوا على الخير و العمل الصّالح فيها، و كان سعيد بن جبير-رحمه الله- "إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتّى ما يكاد يقدر عليه" (10).
و ممّا لا شكّ فيه أنّ عبادة الله تعالى و التقرّب إليه بالطّاعات القولية و الفعلية مطلوبة مِن المسلم في كلّ وقتٍ و حين؛ إلاّ أنّها تتأكد في بعض الأوقات و المناسبات الّتي منها هذه الأيّام العشرة مِن شهر ذي الحجّة، فأحببتُ أن أذكّر نفسي أوّلا ثمّ إخواني و أخواتي جميعا ثانيا، بما أشارت إليه بعض آيات القرآن الكريم و الأحاديث النّبوية إلى بعض تلك العبادات على سبيل التّخصيص لبعضها و التّأكيد لأخرى، عُمدتي في ذلك أقول علماء الأمّة.
و مِن تلك الأعمال و العبادات ما يلي:
أوّلا/ شكر الله على هذه النِّعمة:
فقبل كلّ شيء علينا أن نشكر الله تعالى على أنْ بلَّغنا هذه العَشر الّتي هي مِن أفضل أيّام الدّهر، فإنّ شكر اللّه سبحانه على نعمه مِن أسباب زيادة الخير و التّوفيق إليه؛ قال سبحانه: [[وَ إِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ]] (11).
ثانيا/ التّوبة إلى الله:
كلّنا نُخطئ و نُذنب؛ و لا شكّ أنّ اللّبيب منّا الحريص على طاعة ربّه و المجتهد لمرضاته؛ يعلم يقينا أنّ مِن طاعة اللّه اجتناب معاصيه في جميع الأوقات و الأحوال، و الأشهر الحُرم خاصّة -و ذو الحجّة منها- يتأكّد فيها الحذر مِن المعاصي كما يتأكّد الحِرص على الطّاعات، فإنّه كما تُضاعَف الحسنات في مِثل هذه الأيّام تُضاعف السّيئات أيضا، و معاذ اللّه أنْ يكون حالنا كمَن خلط عملا صالحا و آخر سيّئا؛ قال الله تعالى: [[إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَات وَ الأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
¥