1_ الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" ([1]). ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنا بأقرأ يدل على أفضليتها ([2]).
2_ الإمام في الصلاة يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم قول الله عز وجل في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) ([3]). المعنى: اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير ([4]). فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال لإبراهيم: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما) ([5])، وامتنّ الله - عز وجل - على من وفقه للإمامة في الدين فقال: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) ([6]) أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر الله - عز وجل - وترك نواهيه، والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين - وهو العلم التام الموجب للعمل - كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ([7]).
3_ دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للأئمة بالإرشاد، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" ([8]).
4_ الإمامة فضلها مشهور، تولاها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علماً وعملاً، ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر، لِمَا فيه من إعلان ذكر الله تعالى، ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان أفضل، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين". ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد، لأن المغفرة نهاية الخير ([9]).
واختار شيخ الإسلام - رحمه الله - أن الأذان أفضل من الإمامة ([10]). وأما إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإمامة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل ([11]).
5_ عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم" ([12]). والمعنى: "يصلون" أي الأئمة "لكم" أي لأجلكم، "فإن أصابوا" في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن "فلكم" ثواب صلاتكم، "ولهم" ثواب صلاتهم، "وإن أخطأوا" أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين "فلكم"، ثوابها، "وعليهم" عقابها ([13]). وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم – يقول: "مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم" ([14]).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم – يقول: "الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء - يعني - فعليه ولا عليهم" ([15]).
_______
([1]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم 673، من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
([2]) انظر: الشرح الممتع، للعلامة محمد بن صالح العثيمين 2/ 36.
([3]) سورة الفرقان، الآية: 74.
([4]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام الطبري 19/ 319، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ص966.
([5]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 19/ 319.
([6]) سورة السجدة، الآية: 24.
([7]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري 20/ 194، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ص1019، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي ص604، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/ 340.
([8]) أبو داود، برقم 517، والترمذي برقم 207، وابن خزيمة، برقم 528، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 105، وتقدم تخريجه في فصل الأذان.
([9]) انظر: المغني لابن قدامة 2/ 55، وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 2/ 136 - 140، وحاشية عبد الرحمن القاسم على الروض المربع 2/ 296، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/ 36.
([10]) انظر: شرح العمدة 2137، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، ورجح قول شيخ الإسلام العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 36.
([11]) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، وشرح العمدة له 2/ 139.
([12]) البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، برقم 694 وما بين المعكوفين في نسخة دار السلام، وعند أحمد 2/ 355.
([13]) انظر: فتح الباري لابن حجر 2/ 187، وإرشاد الساري للقسطلاني 2/ 341.
([14]) أحمد 4/ 154، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 983، أبو داود، كتاب الصلاة، باب جماع الإمامة وفضلها، برقم 580، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 115: "حسن صحيح" وصححه في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 293.
([15]) ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 981، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 292.