تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* كان المسلمونَ فيما غبرَ الزمان يشكونَ جدب (الطعام) من المأكل والمشرب, ثم صرنا نشتكي تخمةَ (الأطعمةِ) والتكثر من أصنافها والتمني لكثرةِ غلائها.

فإنَّ الداء أكثر ما تراه ... يكونُ من الطعامِ والشراب

لقدْ كانَ سلفنا الصالح في زهدٍ من التكثرٍ وفي طلبٍ من التقلل فضلاً عن وجودِ قلةِ ذاتِ المأكلِ عندهم فعَنْ عَائِشَةَ –رضيَ الله عنها- قَالَتْ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ.

وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ.

ثم جاءَ خلف السلفِ فتجاوزوا في الحلالِ وما اقتصدوا, فأصبحوا على مأكلٍ ومشربٍ وأمسوا على ذلكَ, فلا تطيب أكلاتهم إلا بالتنوعِ منها كلِّ يومٍ بل وفي كلِّ أكلة لا يهمُّه رخصها من غلاءها!! همُّهُ إملاءُ البطونُ وقضاء الحاجاتِ في المراحيضِ والحفوش.

كحمار السوءِ إن أعلفتَه ... رمحَ الناسَ وإن جاعَ نهق

عبادَ الله!! –تذكروا هذه الحادثة-:

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}

فأخبتْ بمنْ حرصَ إلى ملذاتِ الدنيا , أعاذنا من شرِّ الحرصِ والانفلات إليها .... وصدَق الشاعرُ إذ قال:

سقَامُ الحرص ليسَ له دواء ... وداءُ الجهل ليسَ له طبيبُ

وأصدق منه الآخرُ:

ثلاث هنَّ مهلكةُ الأنامِ ... وداعيةُ الصحيح إلى الأسقام

دوامُ مداومةٍ وداومُ وطئٍ ... وإدخالُ الطعامِ إلى الطعام

· كانَ المسلمون فيما سبَقَ الزمانُ يشكون جدبَ (الوقتِ) وبضاعته, ثم صرنا نشتكي تخمةَ (الفراغِ) وكثرته.

لقدْ كانَ السلف الصالح من أحرصِ الناس على الوقتِ واستغلاله, فلا يعرفون راحةً ولا استراحةً بل لما سئِلوا وهم في كدِّ مصبوب في علم الحديث: يا إمامُ ألا ترتاح!؟ فيجيبهم بقناعةٍ عجيبةٍ وهمةٍ عزيمة: راحتها أريد!

ولما جاءَ خلفهم أصبحوا لا يعرفونَ للوقتِ حرمةً ولا عزةً , فتلهوْ بملذاتِ الدنيا وزينتها , وشغل دينهم الحرص على الدنيا والانكباب إليها!!

والوقتُ أنفس ما عُنيت بحفظِهِ ... وأراهُ أسهل ما عليكَ يضيعُ

ألم يقسمِ الله بالوقتِ في كتابه العزيز:

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

عبادَ الله!!

قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغ ... فلا تكنْ من المغبونينَ الخاسرين ..

إن الشبابَ والفراغَ والجدة ... مفسدةٌ للمرءِ أيّ مفسدة

* كانَ المسلون فيما ادلَهمَّ به الزمانُ يشتكون جدبَ (الفتوى) وقلةِ رجالها والوصول إليها, ثم صرنا نشتكي تخمةَ (الأفتية) من الصغير والكبير والجهلةِ الخمير.

لقد كانَ السلف الصالح يخافون الفتيا ويهابونها, فكانَ الإمام مالك –رحمه الله- يعلِّم تلامذتهَ قول "لا أدري", وكانَت الفتيا توكيلٌ من والي الدولةِ مختاراً له.

ثم جاء خلف السلفِ فتزاحموا الفتيا في المجالسِ وفي القنواتِ الفضائية فعجَّت ومجَّت بكل عالمٍ ومتعالمٍ وجاهل, فتزاحمتْ أسماعنا بالأباطيل والأعاجيب بين الحين والآخر, فهذا يُفتي بحلِّ الحرام وآخر يحرِّم الحلال ... - والله المستعان -.

تصدَّر للتدريس كل مهوس ... جهولٌ يسمَّى بالفقيه المدرِّسِ

فحقَّ لأهْلِ العلمِ أن يتمثَّلوا ... ببيتٍ قديمٍ شاعَ في كلِّ مجْلسِ

لقد هَزلَت حتى بدا من هُزَالِها ... كُلاها وحتَّى سامها كلُّ مفْلِسِ

عبادَ الله!! -ألم يقلْ رسول ربكم محمد عليه الصلاة والسلام-:

إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير