ثم استجاش بكر بن وائل، فسار إليهم وقد لجؤوا إلى كنانة، فأوقع بهم، ونجت بنو كاهل من بني أسد،
فقال:
يا لَهْفَ نَفْسِي إِذْ خَطِئْنَ كاهِلاَ ... القاتِلِينَ المَلِكَ الحُلاَحلا
تَاللهِ لا يذهَبُ شَيْخِي باطَلا
وقد ذكر امرؤ القيس في شعره أنه ظفر بهم، فتأبى عليه ذلك الشعراء قال عبيد:
ياذا المُخَوِّفُنَا بِقَتْ = ل أَبِيهِ إِذْلاَلاً وحَيْنَا
أَزَعَمْتَ أَنَّكَ قَدْ قَتَلْ = تَ سرَاتَنَا كَذِباً ومَيْنَا
ولم يزل يسير في العرب يطلب النصر، حتى خرج إلى قيصر، فدخل معه الحمام، فإذا قيصر أقلف،
فقال:
إِنَّي حَلَفْتُ يمِيناً غَيْرَ كاذِبَةٍ = أَنَّكَ أَقْلَفُ إِلاَّ ما جَنَى القَمَرُ
إِذَا طَعَنْتَ به مالَتْ عِمَامَتُهُ = كَمَا تَجَمَّعَ تَحْتَ الفَلْكَةِ الوَبَرُ
ونظرت إليه ابنة قيصر فعشقته، فكان يأتيها وتأتيه وطبن الطماح ابن قيسٍ الأسدي لهما، وكان حجرٌ قتل أباه، فوشى به إلى الملك، فخرج امرؤ القيس متسرعاً، فبعث قيصر في طلبه رسولاً، فأدركه دون أنقرة بيومٍ، ومعه حلةٌ مسمومة، فلبسها في يومٍ صائفٍ، فتناثر لحمه وتفطر جسده، وكان يحمله جابر بن حنى التغلبي، فذلك قوله:
فَإِمَّا تَرَيْنِي في رِحَالَةِ جابِرٍ = على حَرَجٍ كالقَرِّ تَخْفِقُ أَكْفَانِي
فَيَارُبَّ مَكْرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ = وعانٍ فَكَكْتُ الغُلَّ عنه ففَدَّانِي
إِذَا المَرْءُ لم يَخْزُنْ عليه لِسَانَهُ = فلَيْسَ على شَيْءٍ سِوَاهُ بِخَزَّانِ
وقال حين حضرته الوفاة:
وطَعْنَة مُسْحَنْفِرَهْوجَفْنَةٍ= مُثعَنْجِرَهْتَبْقَى غَداً بأَنقِرَهْ
قال ابن الكلبي: هذا آخر شيءٍ تكلم به، ثم مات.
قال أبو عبد الله الجمحي: كان امرؤ القيس ممن يتعهر في شعره،
وذلك قوله:
فمِثْلِكَ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ
وقال:
سَمَوْتُ إِلَيْهَا بَعْدَ ما نامَ أَهْلُهَا
وقد سبق امرؤ القيس إلى أشياء ابتدعها، واستحسنها العرب، واتبعته عليها الشعراء، من استيقافه صحبه في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ.
ويستجاد من تشبيهه قوله: كأَنَّ قُلُوبَ
الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً لَدَى= وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البالى
وقوله:
كأَنَّ عُيُونَ الوَحْشِ حَوْلَ قِبَابِنَا=وأَرْحُلِنَا الجَزْعُ الَّذِي لم يُثَقَّبِ
وقوله:
كأَني غَدَاةَ البَينِ لَمَّا تَحَمَّلُوا = لَدَى سَمُرَاتِ الحَىِّ ناقِفُ حَنْظَل
وقد أجاد في صفة الفرس:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً = كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَل
لَهُ أَيْطَلاَ ظَبْيٍ وساقَا نَعَامَةٍ = وإرْخَاءُ سِرْحَانٍ وتَقْريبُ تَنْقُلِ
ومما يعاب عليه من شعره قوله:
إِذَا ما الثُّرَيَّا في السَّماءِ تَعَرَّضَتْ=تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصَّل
وقالوا: الثريا لا تعرض لها، وإنما أراه أراد الجوزاء، فذكر الثريا على الغلط، كما قال الآخر: كأحمر عاد وإنما هو كأحمر ثمود وهو عاقر الناقة.
يتبع
"امرؤ القيس بن حجر "
تراجم الشعراء
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[06 - 06 - 2008, 10:33 م]ـ
قال يونس النحوي: قدم علينا ذو الرمة من سفرٍ، وكان أحسن الناس وصفاً للمطر، فذكرنا له قول عبيدٍ وأوس وعبد بني الحسحاس في المطر، فاختار
قول امرىء القيس:
دِيمَةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ =طَبَقُ الأَرْضِ تَحَرَّى وتَدُرّْ
أقبل قوم من اليمن يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء، إذ أقبل راكبٌ على بعيرٍ، وأنشد بعض القوم:
لمّا رَأَتْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَمُّها=وأَنَّ البَيَاضَ من فَرَائِصِهَا دامِي
تَيَمَّمَتِ العَيْنَ التي عِنْد ضَارِجٍ = يَفِيءُ عليها الظَّلُّ عَرْمَضُهَا طامِي
فقال الراكب: من يقول هذا؟ قالوا: امرؤ القيس، فقال: والله ما كذب، هذا ضارجٌ عندكم، وأشار إليه، فمشوا على الركب، فإذا ماءٌ غدقٌ، وإذا عليه العرمض والظل يفىء عليه، فشربوا وحملوا، ولولا ذلك لهلكوا.
ومما يتمثل به من شعره قوله:
وَقَاهُمْ جَدُّهُمْ بِبَنى أَبِيِهم = وبالأَشْقَيْنَ ما كان العقابُ
وقوله:
صُبَّتْ عَلَيْهِ ولَمْ تَنْصَبَّ من كَثَبٍ = إِنَّ الشَّقَاءَ على الاشْقَيْنَ مَصْبُوبُ
وقوله:
وقَدْ طَوَّفْتُ في الآفَاق حَتىَّ =رَضِيتُ مِن الغَنِيمَةِ بالإياب
ومما يتغنى به من شعره: قِفَا نَبْكِ من ذكْرَى حَبيب ومَنْزل
قوله:
تَقُولُ وقَدْ مال الغَبِيطُ بنا مَعاً = عَقَرْتَ بَعيري يا امْرَأَ القَيْسِ فانُزِل
وقال أبو النجم يصف قينة:
تُغَنِّي فإِنَّ اليَوْمَ يَوْمٌ مِنَ الصِّبَى=بِبَعْضِ الَّذِي غَنَّى امْرُؤُ القَيْسِ أَو عَمْرُو
فظَلَّتْ تُغَنِّى بالغَبِيطِ ومَيْلِهِ = وتَرْفَعُ صَوْتاً في أَوَاخِرِهِ كَسْرُ
وقوله:
كأَنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمامِ=ورِيحَ الخُزَامى ونَشْرَ القُطُرْ
يُعَلُّ به بَرْدُ أَنْيَابِها =إَذا طَرَّبَ الطائِرُ المُسْتَحِرْ
وكل ما قيل في هذا المعنى فمنه أخذ.
يتبع
تراجم الشعراء
امرؤ القيس
¥