تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[06 - 06 - 2008, 11:42 م]ـ

واجتمع عند عبد الملك أشراف من الناس والشعراء، فسألهم عن أرق بيت قالته العرب، فاجتمعوا على بيت امرىء القيس:

وما ذَرَفَتْ عيْنَاكِ إِلاَّ لِتَضْربِي = بَسْهَميْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّل

وقال:

واللهُ أَنْجَحُ ما طَلَبْتَ بِهِ = والبِرُّ خَيْرُ حَقِيبَةِ الرَّحْل

وقال:

مِنْ آل لَيْلَى وأَيْنَ لَيْلى = وخَيْرُ ما رُمْتَ ما يُنَالُ

هو امرؤ القيس بن حجر بن الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثورٍ، وهو كندة.

وأمه فاطمة بنت ربيعة ابن الحرث بن زهير، أخت كليبٍ ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين. وكليب هو الذي تقول فيه العرب:

أعز من كليب وائل وبمقتله هاجت حرب بكر وتغلب.

وكان قباذ ملك فارس ملك الحرث بن عمرو جد امرىء القيس على العرب، ويقول أهل اليمن: أن تبعاً الأخير ملكه، وكان الحرث ابن أخته، فلما هلك قباذ وملك أنوشروان ملك على الحيرة المنذر بن ماء السماء، وكانت عنده هندٌ بنت الحرث بن عمرو بن حجر، فولدت له عمرو بن المنذر وقابوس بن المنذر، وهند عمة امرىء القيس، وابنها عمرو هو محرقٌ.

ثم ملكت بنو أسدٍ حجراً عليها، فساءَت سيرته، فجمعت له بنو أسد، واستعان حجرٌ ببني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فقال امرؤ القيس:

تميمُ بنُ مُرٍّ وأَشْياعُها = وكِنْدَةُ حَوْلِي جَمِيعاً صُبُرْ

فبعثت بنو أسد إلى بني حنظلة تستكفها وتسألها أن تخلى بينها وبين كندة، فاعتزلت بنو حنظلة، والتقت كندة وأسدٌ، فانهزمت كندة وقتل حجرٌ، وغنمت بنو أسدٍ أموالهم. وفي ذلك يقول عبيد بن الأبرص الأسدي:

هَلاَّ سَأَلْتَ جُمُوعَ كِنْ = دَةَ يَوْمَ ولَّوْا هَارِبينَا

وكان قاتل حجرٍ علباء بن الحرث الأسدي، وأفلت امرؤ القيس يومئذٍ، وحلف لا يغسل رأسه ولا يشرب خمراً حتى يدرك ثأره ببني أسد، فأتى ذا جدنٍ الحميري فاستمده فأمده، وبلغ الخبر بني أسد فانتقلوا عن منازلهم، فنزلوا على قومٍ من بني كنانة بن خزيمة، والكنانيون لا يعلمون بمسير امرىء القيس إليهم، فطرقهم في جندٍ عظيم، فأغار على الكنانيين وقتل منهم، وهو يظن أنهم بنو أسدٍ ثم تبين أنهم ليسوا هم،

فقال:

أَلاَ يا لَهْفَ نَفْسِي إِثْرَ قَوْمٍ = هُمُ كانُوا الشِّفَاءَ فلم يُصَابُوا

وَقَاهُمْ جَدُّهُمْ ببَنِي أَبيِهمْ = وبالأَشَقْينَ ما كانَ العِقَابُ

وأَفْلَتَهُنَّ عِلْباءٌ جَرِيضاً = ولَوْ أَدْرَكْنَهُ صَفرَ الوطَابُ

ثم تبع بني أسدٍ فأدركهم وقتل فيهم قتلاً ذريعاً، وقال:

قُولاَ لِدُودَانَ عَبِيدَ العَصَا = ما غَرَّكُمْ بالأَسَدِ الباسل

قد قَرَّتِ العَيْنَانِ من وائل = ومن بني عَمْرو ومن كاهِلِ

نَطْعُنُهُمْ سُلْكَى ومَخْلُوجَةً = كرَّكَ لَأْمَيْنِ على نَابِلِ

حَلَّتْ لَي الخَمْرُ وكْنتُ امْرَءًا = عَنْ شُرْبِهَا في شُغُلٍ شاغِل

فاليَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ=إِثْماً مِنَ اللهِ ولا واغِلِ

ثم إن المنذر بن ماءٍ السماء غزا كندة فأصاب منهم، وأسر اثنى عشر فتًى من ملوكهم، فأمر بهم فقتلوا بمكان بين الحيرة والكوفة، يقال له جفر الأملاك، وكان امرؤ القيس يومئذٍ معهم، فهرب حتى لجأ إلى سعد بن الضباب الإيادي، سيد إياد، فأجاره.

وكان ابن الكلبي يذكر أن أم سعدٍ كانت عند حجرٍ أبي امرىء القيس، فتزوجها الضباب فولدت سعداً على فراشه، واستشهد على ذلك

قول امرىء القيس:

يُفَكِّهُنا سَعْدٌ ويُنْعِمُ بالَنا = ويَغْدُو عَلَيْنا بالجِفانِ وبالجُزُرْ

ونَعْرِفُ فيه من أَبِيهِ شَمَائِلاً = ومن خالِهِ ومن يزَيدَ ومن حُجُرْ

وهذا الشعر يدل على أن العرب كانت في الجاهلية ترى الولد للفراش.

ثم تحول إلى جبلى طيءٍ، فنزل على قوم، منهم عامر بن جوينٍ الطائي، فقالت له ابنته: إن الرجل مأكولٌ فكله، فأتى عامرٌ أجأً وصاح: ألا إن عامر بن جوين غدر، فلم يجبه الصدى، ثم صاح: ألا إن عامر بن جوينٍ وفى، فأجابه الصدى، فقال: ما أحسن هذه وما أقبح تلك! ثم خرج امرؤ القيس من عنده، فشيعه، فرأت ابنته ساقيه وهو مدبرٌ، وكانتا حمشتين، فقالت: ما رأيت كاليوم ساقى واف، فقال: هما ساقا غادرٍ أقبح.

ويقال إن صاحب هذا القول أبو حنبلٍ بن مرِّ مجير الجراد.

ويقال إن ابنته لما أشارت عليه بأخذ ماله دعا بجذعة من غنمه، فحلبها في قدح ثم شرب فروى، ثم استلقى وقال: والله لا أغدر ما أجزأتني جدعة، ثم قام فمشى، وكان أعور سناطاً، قصيراً حمش الساقين، فقالت ابنته: ما رأيت كاليوم ساقي وافٍ؟ فقال لابنته: يا بنية، هما ساقا غادرٍ شرٌّ،

وقال:

لَقَدْ آلَيتُ أَغْدِرُ في جَدَاعٍ = ولوْ مُنَّيِتُ أُمّاتِ الرِّبَاعِ

لأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوَامِ عارٌ = وإِنَّ الحُرَّ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ

ولم يزل ينتقل من قوم إلى قوم بجبلى طيىءٍ، ثم سمت به نفسه إلى ملك الروم، فأتى السموأل بن عادياء اليهودي، ملك تيماء، وهي مدينة بين الشأم والحجاز، فاستودعه مائة درعٍ وسلاحاً كثيرا، ثم سار ومعه عمرو بن قميئة، أحد بني قيس بن ثعلبة، وكان من خدم أبيه، فبكى ابن قميئة، وقال له: غررت بنا،

فأنشأ امرؤ القيس يقول:

بكى صاحبِي لَمَّا رأَى الدَّرْبَ دُونَهُ = وأَيْقَنَ أَنَّا لاحِقَانِ بقَيْصَرَا

فقُلْتُ لَهُ لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَما = نُحَاوِلُ مُلْكاً أَو نَمُوتَ فنُعْذَرَا

وإني أَذينٌ إِنْ رَجَعْتُ مُمَلكاً = بِسَيْرٍ تَرَى منه الفُرَانقَ أَزْوَرَا

على ظَهْرِ عادِيٍّ تُحارِبُهُ القَطَا = إذا سافَهُ العَوْدُ الدِّيَافِيُّ جَرْجَرَا

وبلغ الحرث بن أبي شمرٍ الغساني، وهو الحرث الأكبر، ما خلف امرؤ القيس عند السمؤال، فبعث إليه رجلاً من أهل بيته، يقال له الحرث بن مالك، وأمره أن يأخذ منه سلاح امرىء القيس وودائعه، فلما انتهى إلى حصن السموأل أغلقه دونه، وكان للسموأل ابنٌ خارج الحصن يتصيد، فأخذه الحرث، وقال للسموأل: إن أنت دفعت إلي السلاح وإلا قتلته، فأبى أن يدفع إليه ذلك، وقال له اقتل: أسيرك فإني لا أدفع إليك شيئاً. فقتله. وضربت العرب المثل بالسموأل في الوفاء. وقد ذكره الأعشى في قصةٍ له تتبع في أخباره.

يتبع

"امرؤ القيس"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير