ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[10 - 06 - 2008, 12:33 م]ـ
وصار امرؤ القيس إلى ملك الروم، فأكرمه ونادمه، واستمده فوعده ذلك،
وفي هذه القصة يقول:
ونادَمْتُ قَيصَر في مُلْكه = فأَوْجَهَني ورَكِبْتُ البَرِيدَا
إِذَا ما ازْدَحَمْنا على سِكَّةٍ = سَبَقْتُ الفُرَانِقَ سَبْقاً بَعيداً
ثم بعث معه جيشاً فيهم أبناء ملوك الروم، فلما فصل قيل لقيصر: إنك أمددت بأبناء ملوك أرضك رجلاً من العرب، وهم أهل غدر، فإذا استمكن مما أراد وقهر بهم عدوه غزاك. فبعث إليه قيصر مع رجلٍ من العرب كان معه يقال له الطماح بحلة منسوجةٍ بالذهب مسمومةٍ، وكتب إليه: إني قد بعثت إليك بحلتي التي كنت ألبسها يوم الزينة، ليعرف فضل منزلتك عندي، فإذا وصلت إليك فالبسها على اليمن والبركة، واكتب إلي من كل منزل بخبرك. فلما وصلت إليه الحلة اشتد سروره بها، ولبسها، فأسرع فيه السم وتنفط، جلده والعرب تدعوه ذا القروح لذلك،
ولقوله:
وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ = فَيَالَكَ نُعْمَى قَدْ تَحَوْلَ أَبْؤُسَا
وقال الفرزدق:
وَهَبَ القَصَائِدَ لي النَّوَابغُ إِذْ مَضَوْا=وأَبُو يَزِيدَ وذُو القُرُوحِ وجَرْوَلُ
قال أبو محمد: أبو يزيد هو المخبل السعدي، وذو القروح امرؤ القيس، وجرول الحطيئة.
ولما صار إلى مدينة بالروم تدعى أنقرة ثقل، فأقام بها حتى مات، وقبر هناك،
وقال قبل موته:
رُبْ خُطْبَةٍ مُسحَنْفِرَهْ = وطَعْنَةٍ مُثْعَنْجِرَهْ
وجَعْبَةٍ مُتَحَيِّرَهْ = تُدْفَنْ غَداً بأَنْقِرَ
ورأى قبراً لامرأة من بنات ملوك الروم هلكت بأنقرة، فسأل عن صاحبه فخبر بخبرها،
فقال:
أَجَارَتَنَا إِنَّ المَزَارَ قَرِيبُ = وإِني مُقِيمٌ ما أَقَامَ عَسِيبُ
أَجَارَتَنَا إنَّا غَرِيبَانِ ههنا = وكُلُ غَرِيبٍ للغَرِيبِ نَسِيبُ
وعسيب: جبل هناك.
ولما بلغ السموأل موت امرىء القيس دفع ما خلف عنده من السلاح وغيره إلى عصبته.
وكان امرو القيس مئناثاً لا ذكر له، وغيوراً شديد الغيرة، فإذا ولدت له بنتٌ وأدها، فلما رأى ذلك نساوه، غيبن أولادهن في أحياء العرب، وبلغه ذلك فتتبعهن حتى قتلهن.
وكان امرؤ القيس جميلاً وسيماً، ومع جماله وحسنه مفركاً، لا تريده النساء إذا جربنه. وقال لامرأةٍ تزوجها: ما يكره النساء مني؟ قالت: يكرهن منك أنك ثقيل الصدر، خفيف العجز، سريع الإراقة، بطىء الإفاقة، وسأل أخرى عن مثل ذلك فقالت: يكرهن منك أنك إذا عرقت فحت بريح كلب! فقال: أنت صدقتني، إن أهلي أرضعوني بلبن كلبة، ولم تصبر عليه إلا امرأةٌ من كندة يقال لها هند، وكان أكثر ولده منها، وكان يعد من عشاق العرب والزناة. وكان يشبب بنساءٍ: منهن فاطمة بنت العبيد بين ثعلبة بن عامر العذرية،
وهي التي يقول لها:
أَفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذَا التَّدلُّل
ويقال لها:
لاَ وأَبِيكِ ابْنَةَ العَامِرِ = يّ لا يَدَّعي القومُ أَني أَفِرّ
ومنهن أم الحرث الكلبية، وهي التي يقول فيها:
كَدَأَ بِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَها = وجارَتِها أُمِّ الرَبَابِ بمَأْسَل
ومنهن عنيزة، وهي صاحبة يوم دارة جلجل.
قال محمد بن سلام: حدثني راويةٌ للفرزدق أنه لم ير رجلاً كان أروى لأحاديث امرىء القيس وأشعاره من الفرزدق، هو وأبو شفقل، لأن امرأ القيس كان صحب عمه شرحبيل قبل الكلاب، حتى قتل شرحبيل بن الحرث، وكان قاتله أخاه معدى كرب بن الحرث، وكان شرحبيل بن الحرث مسترضعاً في بني دارمٍ رهط الفرزدق، وكان امرؤ القيس رأى من أبيه جفوةٌ، فلحق بعمه، فأقام في بني دارمٍ حيناً، قال: قال الفرزدق: أصابنا بالبصرة مطرٌ جودٌ، فلما أصبحت ركبت بغلة لي وصرت إلى المربد، فإذا آثار دواب قد خرجت إلى ناحية البرية، فظننت أنهم قومٌ قد خرجوا إلى النزهة، وهم خلقاء أن يكون معهم سفرة. فاتبعت آثارهم حتى انتهيت إلى بغالٍ عليها رحائل موقوفة على غدير، فأسرعت إلى الغدير فإذا نسوةٌ مستنقعاتٌ في الماء، فقلت: لم أر كاليوم قط ولا يوم دارة جلجلٍ! وانصرفت مستحيياً، فنادينني: يا صاحب البغلة ارجع نسألك عن شيءٍ، فانصرفت إليهن، فقعدن إلى حلوقهن في الماء، ثم قلن: بالله لما أخبرتنا ما كان حديث يوم دارة جلجل؟ قال: حدثني جدي، وأنا يومئذ غلامٌ حافظٌ: أن امرأ القيس كان عاشقاً لابنة عم له يقال لها عنيزة، وأنه طلبها زماناً فلم يصل إليها، حتى كاي يوم
¥