ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[16 - 06 - 2008, 01:44 ص]ـ
تابع
زهير بن أبي سلمى
هو زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياحٍ المزني، من مزينة مضر، وكان زهيرٌ جاهلياً لم يدرك الإسلام، وأدركه ابناه كعبٌ وبجيرٌ، وأتى بجيرٌ النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فكتب إليه
كعب:
أَلاَ أَبْلِغَا عَنَّى بُجَيْراً رسَالَةً = فهل لَّكَ فيما قُلْتَ بالخَيْفِ هَل لَّكَا
سُقِيتَ بكأْسٍ عِنْدَ آلِ مُحَمَّد = فأَنْهَلَكَ المَأْمُونُ منها وعَلَّكَا
فخالَفْتَ أَسْبَابَ الهُدَى وتَبعْتَهُ = على أَيِّ شَيْءٍ ويْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره هذا، فتوعده ونذر دمه، فكتب بجير إلى كعبٍ يخبره بأن رسول الله:= قتل رجلا ممن كان يهجوه، وأنه لم يبق من الشعراء الذين كانوا يؤذونه إلا ابن الزبعري السهمي وهبيرة بن أبي وهبٍ المخزومي، وقد هربا منه، فإن كانت لك في نفسك حاجةٌ فاقدم عليه، فانه لا يقتل أحداً أتاه تائباً، وإن أنت لم تفعل فانج بنفسك. فلما ورد عليه الكتاب ضاقت عليه الأرض برحبها، وأرجف به من كان بحضرته من عدوه، فقال
قصيدته التي أولها:
بانَتْ سُعادُ فقَلْبى اليَوْمَ مَتْبُولُ
وفيها قال:
نُبّئْتُ أَنَّ رَسُولَ الله أَوْعَدَني =والعَفْوُ عنْدَ رَسُولِ الله مَأْمُولُ
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده وأنشده شعره، فقبل توبته وعفا عنه، وكساه برداً، فاشتراه منه معاوية بعشرين ألف درهم، فهو عند الخلفاء إلى اليوم.
وكان لكعب ابنٌ يقال له عقبة بن كعب، شاعر، ولقبه المضرب، وذلك أنه شبب بامرأة من بني أسد فقال:
ولا عَيْبَ فيها غَيْرَ أَنَّك واجدٌ =مَلاقِيهَا قد دُيِّثَتْ برُكُوبِ
فضربه أخوها مائة ضربة بالسيف، فلم يمت، وأخذ الدية، فسمى المضرب وولد لعقبة العوامُ، وهو شاعر.
فهولاء خمسة شعراء في نسق: العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى، وكان أبو سلمى أيضاً شاعراً. وهو القائل في خاله أسد المري، وابنه كعب بن أسعد، وكان حمل أمه وفارقهما:
لَتُصْرَفَنْ إِبلٌ مُحَبَّبَةٌ.=من عِنْد أَسْعَدَ وابْنِه كَعْب
اَلْآكِلينَ صَريحَ قَوْمِهَمَا = أَكْلَ الحُبَارَى بُرْعُمَ الرُّطْبِ
وقال عمر لابن عباس: أنشدني لشاعر الشعراء الذي لم يعاظل بين القوافي، ولم يتبع وحشي الكلام، قال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير. فلم يزل ينشده إلى أن برق الصبح.
وكان زهيرٌ أستاذ الحطيئة. وسئل عنه الحطيئة فقال: ما رأيت مثله في تكفيه على أكناف القوافي، وأخذه بأعنتها حيث شاء، من اختلاف معانيها، امتداحا وذما. قيل له: ثم من؟ قال: ما أدرى، إلا أن تراني مسلنطحاً، واضعاً إحدى رجلي على الأخرى رافعاً عقيرتي أعوى في أثر القوافي.
قال أبو عبيدة: يقول من فضل زهيراً على جميع الشعراء: إنه أمدح القوم وأشدهم أسر شعرٍ. قال: وسمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: الفرزدق يشبه بزهير وكان الأصمعي يقول: زهيرُ والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، لأنهم نقحوه ولم يذهبوا به مذهب المطبوعين.
قال وكان زهير يسمى كبر قصائده الحوليات.
وكان جيد شعره في هرم بن سنانٍ المري. وقال عمر رضي الله عنه لبعض ولد هرمٍ: أنشدني بعض ما قال فيكم زهيرٌ، فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن، فقال: يا أمير المؤمنين إنا كنا نعطيه فنجزل! فقال عمر رضي الله عنه: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
ومما سبق إليه زهيرٌ فأخذ منه قوله يمدح هرماً:
هُوَ الجَوَادُ الَّذِي يُعطِيكَ نَائِلَهُ =عَفْواً ويُظْلَمُ أَحْيَاناً فَيَظَلِمُ
أي يسأل ما لا يقدر عليه فيتحمله، أخذه كثيرٌ، فقال:
رَأَيْتُ ابنَ لَيْلَى يَعتَرِي صُلْبَ مالِهِ = مَسَائِلُ شَتَّى من غَنِىٍّ ومُعْدِمِ
مسائِلُ إنْ تُوجَدْ لَدَيْكَ تَجُدْ بها =يَدَاكَ وإنْ تُظْلَمْ بها تَتَظَلَّمِ
وقال زهيرٌ:
كما اسْتَغَاثَ بسَىءٍ فَزُّ غَيْطلةٍ=خافَ العُيُونَ فلم يُنْظَرْ به الحَشَكُ
السيء: اللبن في الضرع. والفز: ولد البقرة. والغيطلة: البقرة. والحشك: الدرة. أخذه الطرماح
فقال:
بَادَرَ السَّيْءَ ولم يَنْتَظِرْ=نُبْهَ فِيقَاتِ العُيُونِ النِّيَام
نبه: تحرك العروق. الفيقه: مثل الفواق.
وقال زهيرٌ يصف ظبيةً أكل ولدها السبع:
¥