أَضاعَتْ فلم تُغْفَرْ لها غَفَلاَتُها = فلاقَتْ بَياناً عندَ آخِرِ مَعْهَدِ
دَماً عنْدَ شِلْوٍ تَحْجُلُ الطَّيْرُ حَوْلُهُ = وبَضْعَ لِحَام في إهاب مُقَدَّدِ
وقال الجعدي:
ولاقَتْ بَيَاناً عِنْدَ أَوَّلِ مَعْهَد=إِهاباً ومَعْبُوطاً من الجَوْفِ أَحْمَرَا
قال: ومما سبق إليه كعب بن زهير فأخذه الشعراء منه، قال كعب بن زهير يذكر ذئباً وغراباً:
فلم يَجِدَا إِلاَّ مُناخَ مَيطَّةٍ = تَجَافَى بها زَوْرٌ نَبِيلٌ وكَلْكَلُ
ومضْربَهَا وَسْطَ الحَصَى بجِرانِها = ومَثْنَى نَوَاجٍ لم يَخُنْهُنَّ مِفْصَلُ
ومَوْضِعَ طُولِيٍّ وأَحْنَاءِ قاتِرٍ = يَئِط إِذَا ما شُدّ بالنِّسْعِ مِنْ عَلُ
وأَتْلَعَ يُلْوَى بالجَديِلِ كأَنَّهُ =عَسِيبٌ سَقَاهُ من سُمَيْحَةَ جَدْوَلُ
وسُمْرٌ ظِمَاءٌ واتَرَتْهُنَّ بَعْدَ ما = مَضَتْ هَجْعَةٌ منْ آخِرِ اللَّيْلِ ذُبَّلُ
سَفَى فَوْقَهُنَّ التُّرْبَ ضافٍ كأَنَّهُ = على الفَرْجِ والحاذَيْنِ قِنْوٌ مُذَلّلُ
ومَضْطَمِرٌ من خاشِعِ الطَّرْفِ خائفٌ=لما تَضَعُ الأَرُض القَوَاءُ وتَحْمِلُ
أخذه ذو الرمة والطرماح، فقال الطرماح:
أَطاف بها طِمْلٌ حَرِيصٌ فلم يَجِدْ = بها غَيْرَ مُلْقَى الواسِطِ المُتَبَايِنِ
ومَخْفِقِ ذِي زِرَّيْنِ في الأَرِض مَتْنُهُ = وفي الكَّفِ مَثْنَاهُ لَطيفُ الأَسَائِنِ
خَفِيٍّ كمُجْتازِ الشُّجاعِ وذُبَّلٍ = ثلاثٍ كَحَبَّاتِ الكَبَاثِ القَرَائِنِ
وضَبْثَةٍ كَفٍّ باشَرَتْ بَيمِينِها = صَعِيداً كَفَاها فَقْدَ ماءِ المُصَافِنِ
ومُعْتَمَدٍ من صَدْرِ رِجْلٍ مُحَالَةٍ = على عَجَلٍ من خائِفٍ غَيْر آمِنِ
مُقَلصَةٍ طارَتْ قَرِينَتُها بها = إلى سُلَّمٍ في دَفِّ عَوْجَاءَ دافِنِ
ومَوْضِعِ مَثْنَى رُكَبَتيْنِ وسجْدَةٍ = تَوَخَّى بها رُكْنَ الحَطِيمِ المُيَامِنِ
وقال ذوالرمة:
إِذَا اعتَسَّ فيها الذئبُ لم يَلْتَقِطْ بها=منَ الكَسْبِ إلا مِثْلَ مُلْقَى المَشَاجِر
وبَيْنَهما مُلْقَى زِمَامٍ كأَنَّهُ = مَخِيطُ شُجاعٍ آخِرَ الَّلْيلِ ثائِرِ
ومَغْفَى فتًى حَلَّتْ له فَوْقَ رَحْلِهِ = ثمَانِيَةً جُرْداً صَلاةُ المُسَافِرِ
سِوَى وَطْأَةٍ في الأَرْضِ من غير جَعْدَةٍ = ثَنَى أُخْتَها في غَرْزِ عَوْجاءَ ضامِرِ
وموْضِعِ عِرْنِينٍ كَرِيمٍ وجَبْهَةِ=إلى هَدَفٍ من مُسْرِعٍ غَيْرِ فاجِرِ
وقال كعب بن زهير:
لا يَشْتَكُونَ المَوْتَ إنْ نَزَلَتْ بهِمْ = شَهْبَاءُ ذاتُ مَعاقِيمٍ وأُوَارِ
سمعه بعضهم فقال:
رُمِيَتْ نَطَاةُ من الرَّسُولِ بفَيْلَقٍ =شَهْبَاءَ ذاتِ مَعَاقِمٍ وأُوَارِ
ومما سبق إليه زهيرٌ فلم ينازع فيه قوله:
فإن الحق مقطعه ... ............ البيت.
يريد أن الحقوق إنما تصح بواحدةٍ من هذه الثلاث: يمينٌ أو محاكمةٍ أو حجةٌ بينةٌ واضحةٌ. وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا أنشد هذا تعجب من معرفته بمقاطع الحقوق.
ومن ذلك قوله:
يَطْعُنُهُم ما ارْتَمَوْا حَتَّى إِذَا اطَّعَنُوا=ضارَبَ حَتَّى إِذَا ما ضارَبُوا اعْتَنَقَا
فجمع في بيت واحد صنوف القتال.
ومن ذلك قوله:
اَلِّستْرُ دُونَ الفاحشاتِ ولا = يَلْقاكَ دُونَ الخَيْرِ من سِتْرِ
ومما يستجاد له:
وذِي نِعْمَةٍ تَمًّمْتَها وشَكَرْتَها = وخَصْمٍ يَكادُ يَغْلَبُ الحَقَّ باطُلهْ
دَفَعْتَ بمَعْرُوفٍ منَ القَوْلِ صائِبٍ = إذا ما أَضَلَّ الناطِقِينَ مَفاصِلُهْ
وذِي خَطَلٍ في القَوْل يَحْسِبُ أَنَّهُ =مُصِيبٌ فما يُلْمِمْ به فهو قائلُهْ
عَبَأْتَ له حلْماً وأَكْرَمْتَ غَيْرَه = وأَعْرَضْتَ عنه وهو باد مَقَاتِلُهْ
وذِي نَسَبٍ ناءٍ بَعِيدٍ وصَلْتَهُ = بمالٍ وما يَدْرِي بأَنَّكَ واصِلُهْ
وأَبْيَضَ فَيَّاضٍ يَدَاهُ غَمَامَةٌ = على مُعْتَفِيهِ ما تُغِبُ نَوَافِلُهْ
غَدَوْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فوَجَدْتُه = قُعُوداً لَدَيْهِ بالصَّريم عَوَاذِلُه
يُفَدِّينَهُ طَوْراً وطَوْراً يَلُمْنَهُ = وأعْيَا فما يَدْرينَ أَيْنَ مَخاتِلُهْ
وأَعْرَضْنَ منه عن كَرِيمٍ مُرَزَّإٍ = جَمُوعٍ على الأَمْرِ الذي هو فاعله
أَخِي ثِقَةِ ما تُذْهِبُ الخَمْرُ مالَهُ = ولِكَّنُه قد يُذْهِبُ المالَ نائلُهْ
تَرَاهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهلِّلاً=كأَنَّكَ تُعْطِيهِ الذي أَنْتَ سائِلُهْ
ومن ذلك قوله، ويقال إنه لولده كعب:
ولَيْسَ لِمَنْ لم يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْيَةٌ = ولَيْسَ لرَحْل حَطَّهُ اللهُ حامِل
إِذا أَنْتَ لم تُعْرضْ عنِ الجَهْلِ والخَنَا = أَصَبْتَ حَلِيماً أَو أَصابكَ جاهِلُ
ومن ذلك قوله:
وفيهمُ مَقاماتٌ حِسانٌ وُجُوهُهُمْ = وأَنْدِيَةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ
على مُكْثِرِيهمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمُ =وعِنْدَ المُقِلِّينَ السَّماحَةُ والبَذْلُ
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَىْ يُدْرِكُوهُمُ=فلم يَبْلُغُوا ولم يُلِيمُوا ولم يَأْلُوا
وأخذ العلماء عليه قوله يذكر الضفادع:
يَخْرُجْنَ مِن شَرَباتِ ماؤُها طَحِلٌ = على الجُذُوعِ يَخَفْنَ الغَمَّ والغَرَقَا
وقالوا: ليس خروج الضفادع من الماء مخافة الغم والغرق، وإنما ذلك لأنهن يبضن في الشطوط.
وأخذ عليه قوله:
ثَّم اسْتَمَرُّوا وقالوا إِنَّ مَشْرَبَكُمْ = ماءٌ بشَرْقِيِّ سَلْمَى فَيْدُ أَورَكَكُ
وقال الأصمعي: سألت بجنيات فيد عن الركك؟ فقالوا لي: ما هنا ركك ولكن رك فعلمت أن زهيراً احتاج فضعف.
يتبع بمشيئة الله
¥