فارحم فديتك حرقةً قد قاربت = كشف القناع بحق ذياك النبي
لا تفضحن محبك الصبّ الذي = جرّعته في الحبّ أكدر مشرب
أخبرني من لفظه القاضي جمال الدين عبد القاه التبريزي وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى قال: كان الذي يهواه القاضي شمس الدين هو الملك المسعود وكان قد تيمه حبه فكنت أنام عنده في العادلية فتحدثنا في بعض الليالي إلى أن راح الناس من عنده فقال لي: نم أنت، وألقى عليّ فروة، وقام يدور حول البركة في العادلية، ويكرر هذين البيتين إلى أن أصبح وتوضأ وصلينا. والبيتان المذكوران:
أنا والله هالكٌ = آيسٌ من سلامتي
أو أرى القامة التي = قد أقامت قيامتي
ويقال إنه سأل بعض أصحابه عما يقوله أهل دمشق عنه فاستعفاه فألحّ عليه فقال: يقولون إنك تكذب في نسبك وتأكل الحشيشة وتحب الغلمان. فقال: أما النسب والكذب فيه فإذا كان ولا بد منه فكنت أنتسب إلى العباس أو إلى علي بن أبي طالب أو إلى أحد الصحابة، وأما النسب إلى قوم لم يبق لهم بقية وأصلهم فرس مجوس فما فيه فائدة. وأما الحشيشة فالكل ارتكاب محرم وإذا كان ولا بد فكنت أشرب الخمر لأنه ألذّ. وأما محبة اللغلمان فإلى غدٍ أجيبك عن هذه المسألة. قال قطب الدين اليونيني: سمعت من يذكر إنما خرّج له النسب إلى البرامكة أبو شامة، وليس كذلك. ووقفت على مجلدة من "تاريخ إربل" لوزيرها شرف الدين وقد ذكر وفاة ابن عم قاضي القضاة وقد نسبه إلى البرامكة ولعل ذلك قبل خروجه من إربل. وذكره الصاحب كمال الدين في "تاريخ حلب" ونسبه إلى البرامكة. ومن شعره:
وسرب ظباءٍ في غديرٍ تخالعوا = بدورٌ بأفق الماء تبدو وتغرب
يقول عذولي والغرام مصاحبي = أما لك عن هذي الصبابة مذهب
وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى = فقلت له: ذرهم يخوضوا ويلعبوا
ومنه مضمناً:
كم قلت لما اطلعت وجناته = حول الشقيق الغضّ دوحة آس
لعذاره الساري العجول بخدّه = ما في وقوفك ساعةً من باس
ومنه:
لما بدا العارض في خده = بشرت قلبي بالنعيم المقيم
وقلت هذا عارضٌ ممطرٌ = فجاءني فيه العذاب الأليم
ومنه على ما قيل:
أنظر إلى عارضه فوقه = لحاظه ترسل منها الحتوف
تشاهد الجنة في وجهه = لكنها تحت ظلال السيوف
ومنه:
ولما أن تفرقنا = وحالت نوب الدهر
رأيت الشهد لا يحلو = فما ظنك بالصبر
ومنه:
وما سر قلبي منذ شطت بك النوى = نعيمٌ ولا لهوٌ ولا متصرف
ولا ذقت طعم الماء إلا وجدته = سوى ذلك الماء الذي كنت أعرف
ولم أشهد اللذات إلا تكلفاً = وأيّ سرورٍ يقتضيه التكلف
ومنه:
أحبابنا لو لقيتم في إقامتكم = من الصبابة ما لاقيت في ظعني
لأصبح البحر من أنفاسكم يبساً = والبرّ من أدمعي ينشقّ بالسفن
ومنه:
تمثلتم لي والبلاد بعيدةٌ = فخيل لي أن الفؤاد لكم مغنى
وناجاكم قلبي على البعد والنوى = فأوحشتم لفظاً وآنستم معنى
وقال في ملاحٍ أربعة يلقب أحدهم بالسيف:
ملاك بلدتنا بالحسن أربعةٌ = بحسنهم في جميع الخلق قد فتكوا
تملكوا مهج العشاق وافتتحوا = بالسيف قلبي ولولا السيف ما ملكوا
ومنه:
أيّ ليلٍ على المحبّ أطاله = سائق الظعن يوم زمّ جماله
يزجر العيس طاوياً يقطع المه = مه عسفاً سهوله ورماله
أيها السائق المجدّ ترفق = بالمطايا فقد سئمن الرحاله
وأنخها هنيهةً وأرحها = قد براها السرى وفرط الكلاله
لا تطيل سيرها العنيف فقد برّ = ح بالصبّ في سراها الإطاله
وتركتم وراءكم حلف وجدٍ = نادباً في محلكم أطلاله
يسأل الربع عن ظباء المصلى = ما على الربع لو أجاب سؤاله
ومحالٌ من المحيل جوابٌ= غير أنّ الوقوف فيها علاله
هذه سنة المحبين يبكو = ن على كل منزل لا محاله
يا ديار الأحباب لا زالت الأد = مع في ترب ساحتيك مذاله
وتمشي النسيم وهو عليلٌ = في مغانيك ساحباً أذياله
أين عيشٌ مضى لنا فيك ما أس = رع عنا ذهابه وزواله
حيث وجه الشبابب طلقٌ نضيرٌ = والتصابي غصونه مياله
ولنا فيك طيب أوقات أنس = ليتنا في المنام نلقى مثاله
وبأرجاء جوك الرحب سربٌ = كلّ عينٍ تراه تهوى جماله
من فتاةٍ بديعة الحسن ترنو = من جفونٍ لحاظها مغتاله
ورخيم الدلال حلو المعاني = تتثنى أعطافه مختاله
ذي قوام تودّ كل غصون ال = بان لو أنها تحاكي اعتداله
وجهه في الظلام بدر تمامٍ = وعذاره حوله كالهاله
ومن ذلك:
كأنني يوم بان الحي عن إضمٍ = والقلب من سطوات البين مذعور
ورقاء ظلّت لفقد الإلف ساجعةً = تبكي عليه اشتياقاً وهو مأسور
يا جيرة الحي هل من عودةٍ فعسى = يفيق من نشوات الشوق مخمور
إذا ظفرت من الدنيا بقربكم = فكلّ ذنبٍ جناه الدهر مغفور
وله في الدوبيت شيء كثير من أحسنه قوله:
في هامش خدك البديع القاني = أسرار هوىً لكلّ صبٍّ عان
قد خرجها الباري فما أحسنها = من حاشيةٍ بالقلم الريحاني
وقوله:
روحي بك يا معذبي قد شقيت = في جنب رضاك في الهوى ما لقيت
لا تعجل بالله عليها فعسى = أن تدركها برحمةٍ إن بقيت
وقوله:
يا سعد عساك تطرق الحي عساك = قصداً فإذا رأيت من حل هناك
قل صبك ما زال به الوجد إلى = أن مات غراماً أحسن الله عزاك
وكتب إلهي السراج الوراق لغزاً في مئذنة:
يا إماماً له ضياء ذكاءٍ = يتلاشى له ضياء ذكاء
ما مسمى بالرفع يعرب والنص = ب وإن كان مستقر البناء
علمٌ مفردٌ فإن رفعوه = رفعوه عمداً لأجل النداء
أنثوه ومنه قد عرف التذكي = ر فانظر تناقض الأشياء
وهو ظرفٌ فأين من فيه ظرفٌ = ليجلّي من هذه العمياء
فأجاب:. .
قال ناصر الدين أحمد بن المنير في قاضي القضاة المذكور:
ليس شمس الضحى كأوصاف شمس ال = دين قاضي القضاة حاشا وكلا
تلك مهما علت محلاً ثنت ظ = لاًّ وهذا مهما علا مدّ ظلا
¥