والذي يهمنا من تعاريف أهل الاصطلاح للسنن هو تعريف اللغويين, إذ هو أقرب إلى تعريف السنن الإلهية.
2 - سنة الله اصطلاحا:
من القرآن الكريم نصوص تعظم الرب فكانت أعظم آية: آية الكرسي لكونها تصف الله جل جلاله، وكانت أعظم سورة الفاتحة لكونها: تثني على الله وتستدعي العبد إلى باب الله حيث الذلة والمسكنة للفوز بالكينونة من الذين أنعم الله عليهم، وكانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لكونها تصف الله وتثني عليه، ....
فما شأن الآيات التي تضبط عهوده ووعوده لخلقه؟ فهذه الآيات المحكمات التي لن تجد لها تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا وتحكم بالعدل الإلهي وصفها الحق سبحانه وتعالى بأنها " سنة الله" فعلى ضوئها ووفق ما تشير إليه نفقه باقي نصوص الكتاب. وهنا تخشع القلوب لما ترى القرآن نسيجا محكما، متراصا بناؤه، ومحكما عدله، ودقيقا فهمه، سلسة عذبة قراءته ...
هنا يقر كل متنكر بأن القرآن الكريم كتاب علم بامتياز ....
فالسنن الإلهية هي جملة المواثيق والعهود التي عهد الله بها لكل شيء في هذا الوجود. أو بعبارة أصح هي كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
والله جل وعلا تجلت أفعاله في قوله " كن، فيكون" ما أراد, فكان فعله قولا وقوله فعلا. والقرآن الكريم كلام الجليل جل وعلا جاءنا بمسح لكل أوامره لمخلوقاته وهكذا كشف لنا بآياته البينات هدي سننه سبحانه وتعالى في كونه المنظور.
لقد عهد الله لكل شيء في هذا الوجود بما يقتضيه أمره جل وعلا:
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور الآية:41].
فالعهود الربانية أمور كلية، جامعة، مانعة، جاءت ليمضي هذا الكون في انسجام بديع بين كل مكوناته.
واعتنى القرآن الكريم العناية التامة برسالة الإنسان في هذا الوجود, ولم يفرط في جانب من جوانب الحياة إلا وجاء فيه بالحق وأحسن تفسيرا.
إنه خلق كل شيء, وأعطى الأمر لكل شيء, ليمضي الكل في تناغم وانسجام. و هكذا خلق السماوات وأعطى لكل سماء أمرها و خلق الأراضي ودللها لمخلوقاته, وخلق الإنسان والجان وأنزل التعاليم, وخلق النحل وأوحى لها أمرها ...
نخلص مما سيق أن الله جل وعلا ربط الأسباب بالمسببات، وبعبارة أوجز وأوضح أنه سبحانه وتعالى خلق الخلق وأعطى الأمر- كي يستقر الكون وينساق على نظام الدوام والاستمرارية إلى حين قيام الساعة-.
3 - إيضاءات:
قال سيدنا موسى عليه السلام جوابا عن سؤال:
{َ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى؟
- قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49 - 50]
أبان عليه السلام بأن الله خلَق الخلْق وهدى السبيل، وهو ما جاءنا من المثاني في القرآن الكريم:
{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]
ومن الأمر عهود ربانية لمخلوقاته جمعاء، وبخاصة الإنسان، وتضع القوانين ليمضي الكون بانسجام بديع إلى أن يرث الله
قال القرافي رحمه الله: الله سبحانه و تعالى ملك الملوك وأعظم العظماء, بل وأعظم من ذلك, رتب ملكه على عوائد أرادها, وأسباب قدرها وربط بها آثار قدرته, ولو شاء لم يربطها, فجعل الري بالشرب, والشبع بالأكل, والإحتراق بالنار, والحياة بالتنفس في الهواء.3
هذا، والقصص القرآني كما يقول د. عماد الدين خليل- " وإن جاءت تسميتها- أحيانا- بالقصص، أي الحديث عن الماضي، - تخرج عن الإطار الفني للقصة وبهذا تكتسب بعدها التاريخي المجرد.
ومهما يكن من أمر فقد قدم لنا القرآن الكريم نماذج عديدة للمعطيات التاريخية، وحدثنا عن الماضي في جل مساحاته لكي ما يلبث أن يخرج بنا إلى تبيان (الحكمة) من وراء هذه العروض, وإلى بلورة عدد من المبادئ الأساسية في حركة التاريخ البشري مستمدة من صميم التكوين الحدثي لهذه العروض، تلك المبادئ التي سماها (سنناً)، ودعانا أكثر من مرة إلى تأملها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة، ونزوعنا المستقبليّ.
¥