تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن ثم يتأكد لنا مرة أخرى أن هذه العروض ما جاءت لكي تلقي المتعة في نفوس المؤمنين، كما هو الحال في أي نشاط فني، قبل أن تبرز للعيان الاتجاهات التعليمية الحديثة في ميادين الفنون، إنما جاءت لكي (تعلمهم) من خلال تجاربهم الماضية و (تحركهم) عبر الأضواء الحمراء والخضراء التي أشعلتها لهم هذه التجارب في طريق الحياة المزدحم الطويل " (التفسير الإسلامي للتاريخ لعماد الدين خليل، ص: 97 - 98).

إن الحوادث التاريخية إذا نظرنا إليها من وجهة النظر التاريخية؛ سنجد أنها حوادث فردية، وفريدة، لا تتكرر على شكل مماثل، ومن ثم فهي تعتبر بالفعل وقائع فريدة، غير قابلة للتكرار، ولكننا إذا نظرنا إلى هذه الوقائع المتناهية في امتدادها التاريخي، وفي سياقها التطوري، وفي الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وفي النتائج التي انتهت إليها، وحاولنا أن نجردها من فرديتها، وننظر إليها في كليتها، سنجد أن مضمون هذه الوقائع – وليس شكلها – قابل للتكرار والاطراد، ويكشف عن علاقة سببية مطردة بين ظاهرة وأخرى ... وهذا الترابط هو الذي يتيح لنا استخلاص القانون العام الذي تخضع له هذه الوقائع التاريخية، فكلما توفرت أسباب معينة في ظروف معينة إلا وارتبطت بها نتائج معينة ". (منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية لمحمد محمد أمزيان, ص: 188.)

يقول د. محمد رشاد خليل: "عندما نمعن النظر في الكتاب والسنة، فإنا سوف نعثر على منهج متكامل لتفسير التاريخ يقوم على أساس من الحقائق اليقينية التي جاء بها الوحي الصادق، فنحن هنا لسنا أمام فروض وظنون وأوهام تستخدم بعض المعلومات الإنسانية المبتورة عن الظواهر المادية والحية والإنسانية؛ لتقيم على رمال الأوهام المتحركة صرحا شامخا لتفسير التاريخ " (المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ لمحمد رشاد خليل ص 90)

ب- تمهيد:

اقتضت سننه سبحانه وتعالى أن لا يعذب أحدا حتى يبين لهم ما يتقون, واقتضى بيانه أن يكون هناك رسول:

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115].

وبعد أن جاء الرسول وبلغ الرسالة ترك الأمر لكل امرئ أن يختار بمحض إرادته سبيل الله أو سبيل الشيطان:

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3].

ولو لم يأذن الله له بعبادة ما شاء ما استطاع الخروج عن سبيل الله، ولكن الله مكنه مما يشاء حتى يختار عن بينة:

{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15].

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40].

هكذا اقتضت حكمته وصار حكمه: حرية واختيار مطلقان، لا تخيير ولا تسيير، وإنما هي أعمالكم أحصيها لكم؛ فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187].

والله جل جلاله لا يسأل عما يفعل, ومع ذلك يعلل لنا أفعاله ويبين؛ ليحيا من حيي عن بينة, ويهلك من هلك عن بينة. ومن تتبع أفعاله جل وعلا يجدها عين الحكمة والرحمة تفضلا منه ونعمة.

ورب فعل واحد تبرز من خلاله حكم متعددة يدركها من أدركها من أصحاب الحس المرهف, والمطالعة لأفعاله جل وعلا في هذا الكون؛ إذ الله جل جلاله:

{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمان: 29.]

ولما جمع بين أوصافه المختلفة من رحمة ورأفة, وكذلك كونه قهارا جبارا متكبرا اتصفت أفعاله بالمواصفات المتعددة:

{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [النساء: 147].

إنه استفسار يوقظ الهمم, ويدفع العبد لسد باب عذاب الله بالشكر والإيمان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير