تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(عملت هذا في ذات الله) فليس بمعنى في نفس الله، بل بمعنى (في مرضاة الله)، (وذات) هنا اسم إشارة، والمشار إليه (مرضاة) التي هي بدل من اسم الإشارة، ولا بدَّ أن يُقدَّر لها مؤنث يناسبها؛ لأنها لا تشير إلا إلى مؤنث .. وتأتي (ذات) بمعنى صاحبة، وتُعرف عند النحاة بالصاحبية كقولك: (فلانة ذات جمال) أي صاحبة جمال؛ فهي على معنى الإشارة لم تتغيَّر؛ لأن التقدير: (التي يقال عنها: هذه صاحبة جمال .. أو ترى هذه صاحبة جمال .. وتأتي نائب ظرف إذا أُضيفت إلى ظرف كقولك (هبَّ ذات ليلة)، وتعريفهم لها بنائب ظرف تعريف شكلي، وإنما هي اسم إشارة يُقدَّر لها ما يناسبها، والتقدير ههنا: (هبَّ ذات مصادفَة ليلة)، وفي قولك: (جلست ذات الشمال) تقديرها (جلست جهةَ ذات الشمال)، وكل هذا يأتي مفصلاً إن شاء الله في هذا البحث مع أمثاله من أباطيل خارج دائرة مسألة القرآن التي سأمسك عنها إلى أجل؛ وذلك أمر يطول؛ لأن من أحدث شبهة في صفحة احْتِيْج في نقضها إلى عشر صفحات، والحق أبلج والباطل لَجْلَج؛ لهذا أقتضب شيئاً من سلفيتي اقتضاباً .. ومن جزم بأن القرآن غير مخلوق وليس عنده غير علم الكلام المذموم فهو في موقف التأويل، وغيره يتمسك بظاهر النصوص كتشبيه كلام الله بسلسلة على صفوان ولا تشبيه إلا للمخلوق، كما أن الخالق ينزل ولا يُنزِّله أحد، ولا ارتباط بين (مُنَزَّل)، و (غير مخلوق)؛ لأن الله ينزِّل مطراً وملائكة .. ولا ارتباط بين ذينك وبين (منه بدأ وإليه يعود)؛ فكل شيئ ابتداؤه من الله، ومآله إلى الله سبحانه وتعالى والمخلوق يُنَزَّل، كما أن القرآن له بداية ونهاية بين دِفَّتي المصحف، كما أنه محدث بنص القرآن في سورتي الأنبياء والشعراء، وأن الكلام ليس صفة لله، بل صفته أنه يتكلم وفعله التكلم والتكليم، ولا يصح في لغة العرب أن تقول: (الله الكلام) .. ومن جزم بأنه مخلوق كالمعتزلة وقع في محذور لدى العرب، وهو وصف الكاذب بأنه يخلق كلامه، والسلامة في الوقف؛ إذ لا برهان لدينا على جواز إطلاق أحد الوصفين .. وكان الأستاذ عبدالرحمن بن ناصر البراك أرسل إلى الأستاذ أبي عبدالرحمن رسالة في 5 - 9 - 1431هـ والرسالة مصحوبة بنسخة من رده عليَّ المنشور في جريدة الجزيرة في العدد رقم 13916 بتاريخ 27 - 11 - 1431هـ.

قال أبو عبدالرحمن: لما جاء خطابه إليَّ في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ولا فراغ لي في ذلك الموسم الكريم: آثرت إرجاء الموضوع إلى العيد؛ فلما قرأت خطابه وأول مقالته انقبضت نفسي، وآثرتُ الصمت؛ لأنه لا يليق بخطابه ومقدمة تعقيبه إلا الحدة في القول ولا أريد ذلك .. وانقبضت نفسي من أمور:

أولها: أنه يأمرني بالرجوع إلى ما هو عليه من تقليد باطل نسأل الله السلامة أمراً جازماً، ويشترط عليَّ رجوعاً صريحاً بلغة واضحة، ويحدد الأمد بأسبوعين؛ فيا لها مِن صفاقة؟!! .. ولو كان ذا علم محقق ووارحمتاه لطلابه يوم كان يُدرِّس العقيدة لطلب مني استدلالي على التوقف، ولقال: لعلنا نجد عندك حقاً فنتبعه، أو شبهة فنساعدك على جلائها؛ فهذه هي لغة أهل العلم والعقل.

وثانيها: زعمه أن التوقف الذي هو مذهب جميع الصحابة رضوان الله عليهم باطل بالدعوى ولم يأتني ببرهان صريح صحيح على دعواه الباطلة، وليس عنده إلا التقليد الأعمى الذي بُلينا به في رقعتنا، ويحيلني إلى أبسط المراجع وأقلها لتحقيق الثبوت نقلاً ودلالة، وهو كتاب اللالكائي رحمه الله تعالى كأنني في معزل عنه؛ وإنما هو أدنى مراجعي، ولهذا سأستقصي القول منذ أهل الضلال كالجعد وجهم والمعتزلة إلى تحقيق مِحنة الإمام أحمد رحمه الله وصبره على ما يعتقد أنه الحق، كاشفاً عن استدلاله، موالياً له في الله، غير آخذ بكل استدلال لا يصح، ولا مُتعدِّياً توقُّف الصحابة رضوان الله عليهم، ثم أذكر ما أُحدث بعده من بدع علم الكلام كما وعدتُ آنفاً في كتاب مستقل .. والخلاصة أن كل ما عند البراك: قال فلان وقال فلان، وترديد كلام لم يحقِّقه بالنظر؛ فقولك مثلاً: ((كلام الله منزل)) صحيح شرعاً، وقولك (مخلوق، أو غير مخلوق) لم يرد به شرع وإنما هو دعوى ممن ادعاها.

وثالثها: أنه لما زعم أن باطله التَّقليدي حقٌّ، وأن سكوت الصحابة رضوان الله عليهم باطل: أوجب عليَّ الرجوع؛ فيا لها من نكبة في سواد طلبة العلم؟!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير