ولذا قيل:
ألا قل لمن كان لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله لأنك لم ترض لي ما وهب
فجازاك عني بأن زادني وسد عليك وجوه ا لطلب
ثم الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه، وجاهد نفسه في دفعه؛ فلا إثم عليه؛ بل لعله مأجور في مدافعة نفسه، فإن سعى في زوال نعمة المحسود؛ فهو باغ، وإن لم يسع ولم يظهره لمانع العجز، فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل؛ فهو مأزور، وإلا فلا أي لا وزر عليه؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها، ولا يعزم على العمل بها). ()
وقال الإمام أبو محمد بن حزم – رحمه الله تعالى -: (وأما من اعتقد عداوة مسلم؛ فإن لم يضر به بعمل ولا بكلام؛ فإنما هو بغضة، والبغضة التي لا يقدر المرء على صرفها عن نفسه لا يؤاخذ بها، فإن تعمد ذلك؛ فهو عاص؛ لأنه مأمور بموالاة المسلم ومحبته؛ فتعدى ما أمره الله تعالى به فلذلك أثم). ()
قلت: والحسد من أمراض القلوب التي تكثر في العلماء وطلاب العلم، وقد قال بعض السلف إن بضائع الشيطان يشتريها منه كل من هب ودب إلا الحسد فإن أكثر من يشتريه بالجملة هو العلماء وطلاب العلم؛ فعلى المسلم أن يحذر منه، ويعالج نفسه من دائه، وخاصة إذا كان من طلاب العلم ..
من علامات الحسد:
وهذا الحسد الذي يكثر في هذا الصنف من الناس له علامات تدل المرء عليه من أهمها:
1 – محاولة التنقيص من العلماء، وطلاب العلم الذين رزقهم فهما وعلما فاقوا به أقرانهم؛ بل وربما تقدموا به على من هو أكبر منهم سنا، وفضل الله كثير، ورحمته واسعة؛ فربما رزق طالب علم صغير فهما وعلما منعه لغيره، ولذا فإنك تجد من العلماء المتأخرين من فاق كثيرا ممن تقدمه من أهل العلم، وربما تجد لهم استدراكات ونكت على مسائل دقيقة لم يفهمها من سبقهم من العلماء، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومتناثرة في كتب جميع الفنون من التفسير والحديث والفقه، وغيرها.
ومحاولة التنقيص هذه التي ذكرت تأخذ صورا مختلفة كالتقليل من القيمة العلمية لكتب بعض طلاب العلم، أو الاستهزاء ببعض آرائهم بلا برهان، أو التفتيش عن بعض الأخطاء البسيطة وتضخيمها، وكثيرا ما يُظهر من يمارس هذا النوع من الحسد أنه لا يريد إلا النصح، وأنه يقدر طالب العلم الذي ينتقصه، وربما يثني عليه أحيانا، ونحو ذلك ..
2 – الهجوم العلني على طالب العلم المحسود: فتجد بعض من يدعي العلم يهجم على بعض طلاب العلم الذين فاقوه بفضل الله وعطائه هجوما علنيا، ويغتابه غيبة شنيعة أمام بعض طلابه الذين يثق بهم، وهذا النوع من الحسد يدل على خبث السريرة، وفساد القلب، وقل أن يكون في العلماء الربانيين، فإذا رأيت من يمارس هذا النوع فاعلم أنه على غير هدى؛ فعليك أن تعظه وتخوفه من الله تعالى، ولا تستصغر نفسك أن تنصحه، فقد كان السلف الصالح ينصح بعضهم بعضا ولو كان أعلم منه أو أكبر منه سنا، لكن مع توقيره واحترامه وسلوك أقرب وأسهل طريق توضح له خطأه، وتبين له عثرته، فلا يكن هدفك التنقيص منه أو تصغير نفسه عنده، أو العثور على بعض الشظايا الفاسدة في قلبه؛ وليكن همك أن ترى ما فيه من المحاسن أولا، والثناء عليه بها ثم توضيح خطئه على أنه عثرة بسيطة، وكبوة جواد سرعان ما يقوم منها وهو أسرع عدوا، وأشد فتكا بأعدائه من شياطين الإنس والجن.
هذا وإن المسلم مطالب بأن يجاهد نفسه ويحذر من الحسد ويكثر من سؤال الله عز وجل أن يجنبه هذه الأمراض وغيرها. والله تعالى أعلم وأحكم. اهـ.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[12 Nov 2010, 12:57 ص]ـ
للزيادة هنا غرض أخي الفاضل، وهو تحديد وقصر وحصر الجهة
فلو كان "من أنفسهم" لاحتمل اشتراك غيرهم معهم في مصدر هذا الحسد. أما بزيادة "عند" فيرتفع هذا الاحتمال،
ويبرأ جنب الله تبارك وتعالى منه، وهنا يكون الإنسان مخيرا {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد10
فلا يستطيع أن يتحجج بالشيطان
يدل عليه قوله تعالى {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الأعراف28
ودعاؤه صلى الله عليه وسلم: "والشر ليس إليك"
ومثله قوله تعالى {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65
فقصر جهة العلم الذي عند الخضر عليه تبارك وتعالى؛ تعظيما لشأنه
ـ[عبد الله العسيري]ــــــــ[12 Nov 2010, 03:06 م]ـ
شكراً لكم على حرصكم و اهتمامكم ..
لا حرمني الله من صحبتكم ..