تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحتى لا تأخذنا التفاصيل فتخرج بنا عن بيان الإضافة النوعية القرآنية في هذا الموضوع، فإننا نسجل على النص التوراتي القانوني أولا تغييب الأساس العقائدي والديني والإنساني في القصة؛ حيث تبدأ قصة إبراهيم في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين بالحديث عن خروج إبراهيم من أرضه وعشيرته وبيت أبيه، دون أن تذكر لنا الأسباب الداعية له إلى هذا الخروج؛ بل إن الهجرة المذكورة –تبعا للنص القانوني- كانت قبل الأمر بها من الله، وكان الخارج هو أبو إبراهيم نفسه بابنه إبراهيم وزوجته وابن أخيه لوط: "

(31) وَاخَذَ تَارَحُ ابْرَامَ ابْنَهُ وَلُوطا بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَاةَ ابْرَامَ ابْنِهِ فَخَرَجُوا مَعا مِنْ اورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا الَى ارْضِ كَنْعَانَ. فَاتُوا الَى حَارَانَ وَاقَامُوا هُنَاكَ.

(32) وَكَانَتْ ايَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ." [1]

لكن هذا الخروج المشار إليه في الإصحاح الحادي عشر لما كان قبل الوحي الإلهي لإبراهيم في الإصحاح الثاني عشر، أفرغه من بعده القدسي، وجعله عملا تلقائيا يقوم به الأب تارح المفترض الابتعاد عنه وترك بيته:

" (12:1) وَقَالَ الرَّبُّ لابْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ ارْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ ابِيكَ الَى الارْضِ الَّتِي ارِيكَ. (2) فَاجْعَلَكَ امَّةً عَظِيمَةً وَابَارِكَكَ وَاعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. (3) وَابَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاعِنَكَ الْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ»." [2]

ولعل غاية هذا التنفيذ القبلي للأمر الإلهي هي محاولة كتمان حقيقة الأب والعشيرة التي كانت كافرة ومشركة، ولذلك لم يتحدث سفر التكوين عن هذا الأمر إلا عرضا، بينما سجلته أسفار كتابية عديدة حُكم عليها بكونها منحولة أو أبوكريفا؛ ولا زالت آثارها باقية في ثرات كتابي كثير، نجده في التلمود والهاكاداه والمدراش والقبالاه، ولم تخل منه النصوص القانونية نفسها؛ حيث نجد في سفر يشوع: ". (2) وَقَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ النَّهْرِ مُنْذُ الدَّهْرِ. تَارَحُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو نَاحُورَ, وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. (3) فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنْ عَبْرِ النَّهْرِ وَسِرْتُ بِهِ فِي كُلِّ أَرْضِ كَنْعَانَ, وَأَكْثَرْتُ نَسْلَهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِسْحَقَ. " [3] ونجد في نفس الإصحاح من سفر يشوع قوله: "14 فَالآنَ اخْشُوا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ, وَانْزِعُوا الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عَبْرِ النَّهْرِ وَفِي مِصْرَ, وَاعْبُدُوا الرَّبَّ. (15) وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا الرَّبَّ, فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ: إِنْ كَانَ الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمُ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ, وَإِنْ كَانَ آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِهِمْ. وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ»." [4] وإن المتأمل في هذين النصين يتأكد له أن خروج إبراهيم من أرضه وعشيرته وبيت أبيه لم يكن خروجا تلقائيا، وإنما كان هجرة لما عبده أبوه وقومه من آلهة أخرى، وإنجاء لإبراهيم من بطش المشركين من قومه إلى أرض جديدة سيكون فيها إبراهيم مصدرا للبركة العالمية؛ حيث تتبارك فيه جميع قبائل الأرض.

وخلاصة القول أن جزءا أساسيا من قصة إبراهيم قد تم التغاضي عنه وإخفاءه لصالح آباء إبراهيم في عبر النهر، لكن هذا الإخفاء فضحته نصوص قانونية أخرى بينت أن آباء إبراهيم وقومه كانوا مشركين وعبدوا آلهة أخرى؛ وفضحته نصوص شفوية وأخرى في التلمود والهكاداه والمدراش والقبالاه ذكرت كثيرا من تفاصيل هذه المرحلة من حياة إبراهيم الخليل؛ وخلاصتها أن أبا إبراهيم وقومه كانوا مشركين، وكان أبوه يصنع الأصنام ويبيعها، وكان إبراهيم يناقش أباه وقومه في نفعها والجدوى منها، وأنها من صناعة أيدي الناس فعليهم ألا يعبدوها لأنها باطلة والعابدون لها حمقى؛ وطرأت له في هذا الشأن مجادلات كثيرة مع أبيه وقومه وملكه، بين لهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير