تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إبراهيم من خلالها أن ما يفعلونه ضلال، وأن عليهم أن يعبدوا الله الذي خلق كل شيء وحمّر الشمس، وجعل القمر والنجوم وأعطى الإنسان حياته وإذا مرض شفاه وإذا احتاج أعطاه وهو على كل شيء قدير.

ولم ترُق لأبي إبراهيم وقومه دعوته، فقرروا بعد أن قام هو بكسر أصنامهم أن يلقوه في النار، فأنجاه الله منها هو ولوط إلى الأرض المباركة للعالمين.

أربعون في المائة من حديث القرآن الكريم عن إبراهيم، كان حديثا عن هذه المرحلة من تجربته، وهو يسعى إلى المعرفة والعلم والرشد؛ ورغم أن المرحلة ذاتها كانت شبه مغيبة عن النص التوراتي الرسمي؛ إلى أن عملية المراجعة النقدية التي وجهنا لها القرآن الكريم، والتي جعلها من أعظم مهام رسوله صلى الله عليه وسلم، عندما قال عنه: "قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"؛ أمكنها أن تساعدنا كثيرا على اكتشاف النصوص المخفية في ثنايا الأسفار القانونية الرسمية؛ وهو ما سنحاول الإطلاع عليه في المبحث الأول من هذه الدراسة؛ والذي سنعالجه من خلال مثالين:

يتعلق الأول بموضوع البعث وإحياء الموتى ونتناوله من خلال قصة إبراهيم والذبائح.

ويتعلق الثاني بموضوع التوحيد والشرك ونتناوله من خلال قصة إبراهيم مع أبيه وقومه في هدم مذبح البعل وبناء بيت الله.

1 - قصة إبراهيم وعهد القطع:

1 - سنأخذ السفر الأول من أسفار العهد القديم، وهو سفر التكوين، ونختار منه الإصحاح الخامس عشر، الذي يتحدث عن ما يطلق عليه "عهد القطع" " the covenant of pieces"، حيث سيقطع الله مع إبراهيم عهدا بوراثة الأمم الذين كان يقيم بينهم، له ولنسله من بعده؛ وخلاصة القصة أن إبراهيم عندما صار إليه كلام الرب في الرؤيا، سأل ربه أن يعطيه نسلا ليرث ممتلكاته إذ لم يكن له وارث، فاستجاب الله له، ووعده بنسل كثير، فآمن إبراهيم فحسبه له برا [5]؛ فسأل إبراهيم ربه عن العلامة التي بها يعلم أنه سيرث هذه الأرض، فأمره الله بأن يأخذ مجموعة من الذبائح من البهائم والطير، فشطر البهائم إلى شطرين قابل شطور بعضها ببعض، وترك الطيور كاملة، فكانت الجوارح تأتي لتأكل منها وكان إبراهيم يزجرها [6]، ووقع على إبراهيم سبات وحلت عليه رعبة مظلمة، فأخبره الله في سباته عن مصير ذريته من بعده وكيف أنهم يستعبدون أربعة قرون في أرض مصر، وأنهم يرجعون بعد ذلك إلى المكان عينه الذي وعدوا به [7]، وعندما يستيقظ إبراهيم من سباته، يرى تنور دخان ومصباح نار يجوز بين قطع الذبائح، وهنالك يقطع الله معه ميثاقا بأن يعطيه كل تلك الأرض من مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات، جميع أراضي شعوب المنطقة [8].

إن الهم الأكبر لهذا النص، مثلما هو لنصوص أخرى كثيرة، هو العودة إلى الأرض التي وُعد بها إبراهيم وانتزاعها من أصحابها، وإسكان بني إسرائيل فيها إتماما للنبوءات والوعود والعهود والعلامات؛ والواقع أن تلك الوعود لم تكن صحيحة ولا كانت من الله، ولم ينفذ منها شيء لا في زمن إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب ولا الأسباط ولا موسى ولا يشوع ولا عيسى ولا غيرهم من الأنبياء، ولذلك تطرأ على هذه النصوص في كل مرة إضافات واستدراكات وتعديلات وتفسيرات تجعلها أكثر مواءمة مع الواقع المخالف لها. والواضح أن هذا النص كما هي النصوص الأخرى، لا تتحدث عن قيمة إنسانية أو خلقية ولا عن مسألة دينية ترتبط بالعمل والجزاء واليوم الآخر والحساب، وإنما تتمركز حول مشكلة تاريخية قومية تخص بني إسرائيل، وتناقض مقترحاتُ حلها كلَّ القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية التي جاءت بها الكتب.

ولنأخذ قراءة أخرى لنفس النص في زمن آخر، كان تأثير أمنية العودة وانتزاع الأرض من أصحابها ضعيفا، وكان تسلط الإمبراطوريات قويا، كما أن إنكار البعث واليوم الآخر لم يكن طاغيا مثلما هو الشأن عند الكهنوت الحاخامي والصدوقي الذي ينتمي إليه النص السابق.

والقصة مأخوذة من التوراة الشفوية، أو ما يطلق عليه "الهجادة"، وهو كما يضم نصوصا أساسية مدونة في التوراة القانونية، يضم نصوصا أخرى غير قانونية أو خفية يفسر بها الحاخامات الكتاب المقدس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير