تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد عالجت هذه الآيات موضوع عهد إبراهيم مع ربه؛ إذ جعله بنو إسرائيل عهدا بالأرض إلى النسل والذرية، والتي هي الشعب المختار؛ وكان الجواب القرآني بأن هذا العهد إنما هو عهد بالإمامة الدينية في بيت الله، وهو عهد لا ينال الظالمين، وإنما من شروطه البر والإحسان والقيام بشعائر الله وشرائعه في المكان الذي اختاره؛ وإننا بتأملنا للنص التوراتي المؤسس في هذا الموضوع، والذي اطلعنا عليه سابقا لنكتشف هذا الشرط في ثنايا الأمر الإلهي لإبراهيم بالخروج؛ إذ قال له: اترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك، واذهب إلى الأرض التي أريك،." (2) فَاجْعَلَكَ امَّةً عَظِيمَةً وَابَارِكَكَ وَاعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. (3) وَابَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاعِنَكَ الْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ". فغاية الخروج هو نشر البركة في الأرض ومباركة جميع قبائلها وأممها، ولن يتأتى ذلك إلا بالبر والإحسان إلى الجميع وليس بالحرب والطرد والسرقة والعدوان على الأمم الأخرى لحساب شعب واحد مختار.

قال تعالى في شأن المكان الذي هاجر إليه إبراهيم ولوطا: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) [34]

لم يكن خروج إبراهيم بعد أن نجح في ابتلاءات التوحيد والدين من أجل امتلاك الارض وجمع الدنيا، وإنما كان من أجل حمل رسالة إنسانية عالمية، لخصها الكتاب المقدس والقرآن الكريم في لفظ البركة؛ حيث سيبني إبراهيم في هذه الأرض التي هاجر إليها بيت الله العالمي، ومنه ستنطلق البركة إلى جميع أمم الأرض؛ وإننا بالتأمل في نص سفر التكوين لندرك ذلك إذ يقول: "واذهب إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض". إن البركة التي سيحصل عليها إبراهيم ويعطيها لجميع قبائل الأرض إنما توجد في هذا المكان الذي اختاره الله له، ليكون إماما فيه، يقصده الناس من أجل الحصول هذه على البركة. وهو ما بينه القرآن الكريم في الآية السابقة وسنراه في نصوص أخرى كثيرة.

إن أول عمل قام به إبراهيم عندما وصل إلى الأرض المعلومة هو بناء بيت للعبادة في هذا المكان المختار، وهو ما رأيناه في نص الهجرة والخروج، قال:

(7) وَظَهَرَ الرَّبُّ لابْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ اعْطِي هَذِهِ الارْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ.

(8) ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ الَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ ايلٍ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ ايلَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحا لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ.

(9) ثُمَّ ارْتَحَلَ ابْرَامُ ارْتِحَالا مُتَوَالِيا نَحْوَ الْجَنُوبِ. [35]

لقد حدد له الرب مكان بناء مذبح للرب؛ وعبارة بناء مذبح للرب في التعبير الكتابي تعني معنيين، الأول بناء بيت للعبادة، والثاني إقامة شعيرة العبادة في المعبد أو المذبح؛ حيث أن المذبح يبنى من أجل أن توضع عليه الذبيحة المحرقة؛ ومادام النص يكرر هذا الأمر فهو يقصد المعنيين معا؛ فإبراهيم قد بنى بيتا للعبادة في المكان الذي اختاره الله بعد أن لم يكن، ثم أقام في هذا البيت شعائر العبادة بما فيها الذبائح المطلوبة.

انتقال إبراهيم إذن في هذا المكان لم يكن ارتحالا كارتحال البدو الرحل بحثا عن الماء والكلإ كما يوهم النص؛ وإنما كان ارتحالا من أجل آداء المناسك التي يحتاج إبراهيم إلى تعلمها من أجل تعليمها للعالمين الذين سيأتون إليه من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم؛ وهنا يأتي النص القرآني ليشرح لنا هذا الأمر ويخرجنا من الالتباس الحاصل في الموضوع، قال تعالى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير