1 - بيت إيل هو أول مكان خرج إليه إبراهيم بأمر من ربه، ليباركه ويبارك نسله ويجعله بركة ويبارك به جميع قبائل الأرض، وبه سيقيم هو وبنوه، وفيه سيبني بيته ويبني بيت الله و يسهر فيه على تقديم الطقوس والقرابين لله، الذي أخرجه من أرضه وعشيرته وبيت أبيه ليريه هذه الأرض المباركة للعالمين. [38]
2 - بيت إيل هو المكان الذي كان يتردد عليه إبراهيم لأداء المناسك، كما فعل أول مرة. [39]
3 - يطلق يعقوب على بيت الله اسم "بيت إيل" بالعبري، لأن هذا المكان هو باب السماء، ولأنه مكان مقدس، منه تصعد الملائكة إلى السماء وتنزل إلى الأرض. [40]
4 - وفي بيت إيل أقام يعقوب مع لابان عمود ورجمة الشهادة، التي سيطلق عليها إسم "جلعيد"، وتبقى شاهدة على العهد الذي بينهما إلى يوم الراوي. [41]
5 - وإلى بيت إيل يصعد يعقوب وكل عائلته لأداء طقوس الحج لله، في المكان الذي اختاره الله. [42]
6 - وفي بيت إيل تدفن دبورة مرضعة رفقة تحت ما ترجموه ب "البلوطة" إلى العربية، ويمكن ترجمته بالسهل أو الحقل، ودعى اسم المكان "إيلون باكوت" أي "سهل بكة" أو "حقل بكة". [43]
7 - ويطلق يعقوب على المكان الذي رأى فيه رؤيا بيت الله اسم "بيت إيل". [44]
والملاحظ أن كل هذه المواضع التي ذكر فيها هذا البيت في سفر التكوين لا تفيد إلا معنى واحدا، وهو التقديس والتعظيم وأداء العبادة والشعائر لله في المكان الذي اختاره، من طرف الآباء الكبار بدءا من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وجميع آباء بني إسرائيل؛ ولذلك فهو بيت الله الأول الذي بناه إبراهيم وأقام فيه، وكان إماما له، يُعلم الناس مناسكهم، ويبارك فيه جميع أمم الأرض، وهو عينه المكان المقدس الذي سار إليه إسحاق ويعقوب والأسباط وأدوا فيه المناسك، وهو الموجود بأرض بكة حيث دفنت دبورة مرضعة رفقة وغيرها من الأنبياء والصالحين من بني إبراهيم وإسرائيل.
ولهذا فإن "بيت إيل" بالعبري لا تعني إلا "بيت الله" بالعربي وهو الموجود ببكة أو مكة، وهو مكان الحج الذي لا يزال الناس يقصدونه إلى هذا اليوم، تصديقا لما جاء في الكتاب المقدس من أن هذه الفريضة ستكون فريضة دهرية، تقام من سنة إلى سنة، في المكان الذي اختاره الله، وإن لم يكن أئمته من بني إسرائيل.
2 - بيت الله الحرام في سفر التكوين:
قبل أن نبدأ في تفصيل وتحليل ومدارسة النصوص المختلفة المتحدثة عن هذا الموضوع، لابد من التوقف مليا عند المكان الذي اختاره الله لهجرة إبراهيم والتعرف على ملامحه وإدراك خصائصه، التي تعرضت - لأسباب كثيرة - إلى محاولات الكتم والإخفاء والتغيير والتزوير وإلباس الحق بالباطل؛ لكن قوة الحقيقة دائما تغلب محاولات تغطيتها مهما طغت، فتدمغها فإذا هي زاهقة.
إن هدف إخراج إبراهيم من أرضه وعشيرته وبيت أبيه هي نشر البركة في الأرض ومباركة جميع الأمم، وهو ما نجده في الخطاب الإلهي إلى إبراهيم:
وَقَالَ الرَّبُّ لابْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ ارْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ ابِيكَ الَى الارْضِ الَّتِي ارِيكَ.
فَاجْعَلَكَ امَّةً عَظِيمَةً وَابَارِكَكَ وَاعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً.
وَابَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاعِنَكَ الْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ» [45].
وهو ما قام به إبراهيم فعلا، مستجيبا لأمر ربه، وتاركا أرضه وعشيرته وبيت أبيه وذاهبا إلى الأرض التي سيريه الله.
ويحدثنا سفر التكوين عن هذا الخروج، بقوله:
فَذَهَبَ ابْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ ابْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ.
فَاخَذَ ابْرَامُ سَارَايَ امْرَاتَهُ وَلُوطا ابْنَ اخِيهِ وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا الَى ارْضِ كَنْعَانَ. فَاتُوا الَى ارْضِ كَنْعَانَ. [46]
وأول ملاحظة يمكن تسجيلها على هذا النص، هو أن حاران لم تكن أرض إبراهيم ولا أرض عشيرته ولا بيت أبيه، وإنما كانت هي المكان الذي توجه إليه إبراهيم في هجرته من أرضه وعشيرته وبيت أبيه في أور الكلدانيين، وهو ما حدثنا عنه الإصحاح الحادي عشر بقوله:
¥