" وَاخَذَ تَارَحُ ابْرَامَ ابْنَهُ وَلُوطا بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَاةَ ابْرَامَ ابْنِهِ فَخَرَجُوا مَعا مِنْ اورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا الَى ارْضِ كَنْعَانَ. فَاتُوا الَى حَارَانَ وَاقَامُوا هُنَاكَ. (32) وَكَانَتْ ايَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ." [47]
وثاني ملاحظة يمكن تسجيلها، هو أن إبراهيم قد ترك أباه في أرضه، وخرج إلى الأرض المأمور بالخروج إليها ومعه زوجته ولوط ابن أخيه، وأن المكان الذي خرجوا إليه هو حاران نفسها، وفيها أقام إبراهيم وكل من خرج معه؛ وأن أبا إبراهيم لم يكن ليترك أرضه وبيته ويذهب مع ابنه الخارج من أرضه بسبب مخالفة أبيه وقومه في دينهم ومعتقدهم، بل إن إبراهيم قد هرب بدينه إلى الأرض الجديدة التي سيؤسس فيها دينا جديدا مخالفا لدين الآباء الذين تركهم في أور الكلدانيين. فلا حاجة لخروج أبيه معه، ولا حاجة لخروجه مرتين مرة إلى حاران وأخرى إلى كنعان، لأن حاران تقع ضمن نفوذ كنعان كما يدل عليه النص نفسه: " فَخَرَجُوا مَعا مِنْ اورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا الَى ارْضِ كَنْعَانَ. فَاتُوا الَى حَارَانَ وَاقَامُوا هُنَاكَ ". وهذا المكان هو المكان المقدس عينه، الذي حدثنا عنه سفر التكوين في الإصحاح الثامن والعشرين، منسوبا إلى يعقوب، وليس إلى إبراهيم، رغم كونه هو المؤسس لأول بيت وضع للناس، جاء فيه:
فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ.
وَصَادَفَ مَكَانا وَبَاتَ هُنَاكَ لانَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ. وَاخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَاسِهِ فَاضْطَجَعَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
Gen 28:12 وَرَاى حُلْما وَاذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الارْضِ وَرَاسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ وَهُوَذَا مَلائِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا
Gen 28:13 وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «انَا الرَّبُّ الَهُ ابْرَاهِيمَ ابِيكَ وَالَهُ اسْحَاقَ. الارْضُ الَّتِي انْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا اعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ.
Gen 28:14 وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الارْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْبا وَشَرْقا وَشِمَالا وَجَنُوبا. وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ.
Gen 28:15 وَهَا انَا مَعَكَ وَاحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ وَارُدُّكَ الَى هَذِهِ الارْضِ لانِّي لا اتْرُكُكَ حَتَّى افْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ».
Gen 28:16 فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقّا انَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَانَا لَمْ اعْلَمْ!»
Gen 28:17 وَخَافَ وَقَالَ: «مَا ارْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا الَّا بَيْتُ اللهِ وَهَذَا بَابُ السَّمَاءِ!» [48]
وهناك نصوص متعددة تؤكد لنا أن حاران أو بيت حاران أو بيت حورون أو بيت حرمون أو هارام المتحدث عنها في أسفار العهد القديم إنما هي بيت الله الحرام الذي أسسه إبراهيم، وجعل الصعود إليه فريضة أبدية. [49]
ويوجد في هذا النص المنسوب إلى يعقوب، قول الله له في الرؤيا: "ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض"؛ وهو نفس الهدف الذي خرج من أجله إبراهيم إلى الأرض المباركة للعالمين.
وهو ما يرد أقوال المفسرين المسيحيين التي تحاول أن تجعل حاران بعيدة عن الأماكن المختلفة التي أقام فيها إبراهيم بمئات الكيلومترات. وتجعل رحلة إبراهيم تبدأ من الشرق ثم تصعد إلى أقصى الشمال ثم تنزل إلى الجنوب في مساحة تستوعب مئات الكيلومترات تشمل العراق إلى شمال سوريا إلى جنوب فلسطين.
لقد خرج إبراهيم من أرضه في رسالة إنسانية، ليؤسس أول بيت وضع للناس من أجل العبادة، وهو ما نراه جليا في وصف تنقلات الأب إبرهيم:
وَاجْتَازَ ابْرَامُ فِي الارْضِ الَى مَكَانِ شَكِيمَ الَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الارْضِ.
وَظَهَرَ الرَّبُّ لابْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ اعْطِي هَذِهِ الارْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ.
¥