تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التجريبي بعيداً عن النص القرآني، وسيقود هذا البحث العلمي الباحث إلى نتائج تكشف عن النظام الإلهي في الكون، وهذه السنن ستقود المتأمل إلى التعرف على الخالق والإيمان والتوحيد، وبذلك تلتقي نتائج البحث القرآني مع نتائج البحث العلمي في الدلالة على الخالق وتوحيده، وأي تداخل بين مساري البحث سيعطل أحدهما الآخر لاختلاف الطبيعة والمنطلق والهدف والقوانين، بل وإن التداخل بينهما يخالف طبيعة الأمر المتعلق بكل منهما، فدرس النص القرآني لغوي موضوعه الهداية إلى التي هي أقوم، ودرس العلم ميدانه المادة والتجريب والطبيعة واكتشاف القوانين، فما أشار إليه القرآن من دعوة للنظر العلمي في الأشياء لا يمكن أن يكتشف من خلال النص إنما من خلال معالجة الأشياء وتحليلها وتجريبها واكتشاف قوانينها وهي حقل خارج النص.

أما المستوى الثاني من النظر في المسألة وهو البحث في القرآن عن العلم أو التطابق بينه وبين العلم، فهو مشكل وعقيم من نواح عدة:

-الإشكال الأول: أن دعوى الإعجاز العلمي للقرآن هي في جوهرها محاولة تصديق أحدهما بالآخر، وهذا مطب خطير، لأن صدق القرآن لا يتأسس على التوافق مع التجارب العلمية وقوانينها، إنما إلى المبدأ العام فيه وهو عدم التعارض بين القرآن والعلم، فضلاً عن كون علاقة المؤمن بالكتاب علاقة إيمانية قبل أن تكون علاقة برهانية في التفصيل، وطلب التوافق التفصيلي بين العلم والقرآن قد يؤول إلى نقيض الغرض، أما محاولة التصديق المعاكسة وهي إثبات صدق العلم بالقرآن فلا تستقيم أيضاً، لأن العلم لا يثبت بأدلة نصية إنما معياره التجريب والملاحظة والنظام، ولا يستقيم علم عالم تجريبي إذا استدل على علمه بغير أدوات العلم، وليس النص واحداً منها.

-الإشكال الثاني: في أصل الفكرة والتسمية، فكلمة الإعجاز والمعجزة إنما تستلزم فكرة أساسية لا تقوم إلا بها، وهي التحدي، ويستلزم علم المتحدي وعجز المتحدى عن مضاهاة المتحدى به، بمعنى أن المسلم إذا ما ادعى أن القرآن معجز علمياً فينبغي أن يكون عالماً بالمضمون العلمي للإعجاز ابتداء قبل أن بعلمه الطرف الآخر، لكن الذي يحصل هو العكس، وهي أن من يبحثون في الإعجاز العلمي إنما يتعرفون على العلم من قبل من لا يؤمن بالقرآن أصلاً واكتشف المسائل العلمية بالتجربة، فيأتي الباحث الإعجازي ليأخذ نتائج أبحاث غيره وينظر في القرآن ليثبت أنها موجودة فيه، ولو لم يطلع على جهد هذا العالم أو ذاك لما اكتشف في القرآن إعجازاً، ولذلك تتكاثر قضايا الإعجاز العلمي مع تكاثر الاكتشافات واطلاع المسلمين عليها، وهذه الظاهرة هي عكس الإعجاز، فالعالم التجريبي لم يطلع على القرآن عند اكتشافه، والمسلم لم يكتشف العلم من القرآن قبل اكتشاف العالم له، فالعلاقة علاقة إسقاط، والأصل فيها التجربة العلمية وليس القرآن، فالذي كان ينبغي أن يتم حتى يستقيم ترتيب فكرة الإعجاز العلمي أن يصرح القرآن أو يدل على مسألة علمية بتفصيل لا يعلمه المخاطبون ثم يطلب منهم إثبات نقيضه أو التصديق به، وهذا ما لم يحصل، فلا يوجد تحد علمي في أي مستوى لقارئ القرآن، كل ما في القرآن عودة إجمالية إلى العلم والبحث والاكتشاف، ولم يسم تلك الظواهر إلا بما يؤكد هذه الدعوة القرآنية، فسميت"الآيات" وهي إشارة إلى الآفاق التي يمكن أن يكتشف العالم من خلالها الدلائل الكونية على التوحيد، فالمسألة العلمية في القرآن دعوة للاستدلال، لا التعجيز.

- الإشكال الثالث: القطيعة الزمنية بين النص المعجز علمياً –حسب المدعى-، والقضية المكتشفة، بمعنى أن وصف الإعجاز ينبغي أن يكون قائماً في النص لا ينفصل عنه، وهو متجل فيه منذ عصر نزوله، وهذا ما نلحظه في وجوه الإعجاز التي تحدى بها القرآن منكريه، لكن في مسألة الإعجاز العلمي لم يكن موضوع العلم حاضراً في النص قبل اكتشاف العلم، وبالتالي لم يكن موضوع تحد فيه، وبناء على دعوى الإعجاز العلمي فإن هذا الجانب من الإعجاز ظل معطلاً قروناً طويلة حتى إذا اكتشفنا العلم الحديث اكتشفنا أن النص القرآني معجز، وهذا عين العجز عن فهم القرآن وتوقف فهمه على تجارب العلوم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير