تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- الإشكال الرابع: الخلط بين طبيعة النص القرآني ووظيفته، وبين طبيعة العلم ووظيفته، فالنص القرآني كما وصفه الله كتاب هداية وتربية وأحكام، وكل ما احتواه القرآن أو دل القرآن على أنه مشتمل عليه فإنما يفهم ذلك في ضوء طبيعة النص والهدف الذي سيقت الآيات من أجله، فمحور الهداية هو الحاكم على موضوعات القرآن، وما جاء فيه من متعلقات العلوم الأخرى كالتاريخ والطبيعة وغير ذلك فإنما سياقها يدل على توظيفها في مسلك الهداية الذي هو المحدد الأساسي لرسالة القرآن وموضوعاته.

- الإشكال الخامس: اللغة القرآنية ولغة العلم، فالقرآن نزل بلغة عربية مستخدمة في عصر نزوله، ولا يستقيم فهمه إلا في ضوء تلك اللغة والخصوصية القرآنية لاستعمالها، أما لغة العلم التجريبي فهي طارئة ولاحقة، وغالباً ما تكون مترجمة، وترتبط بمعطيات عصرها التي اقتضت التسمية، وهي تسمية اصطلاحية لا تستلزم بالضرورة الصلة بجذر الكلمة وأصل معناها اللغوي، فإيجاد علاقة بين العلم المكتشف بعد عصر النزول وبين لغة القرآن التي ترجع إلى عصر النزول، يتم بإحدى وسيلتين، إما اعتبار التشابه اللفظي وأخذ المسميات القرآنية على أنها نفسها المسميات العلمية، وفي هذه الطريقة تقوُّل على القرآن، لا يصح منطلقه حتى على النصوص التاريخية غير القرآن، أما الوسيلة الثانية فهي اعتبار المسميات بغض النظر عن التسمية، وهي أيضاً إسقاط لأن المسمى في عصر النزول لم يكن هو المسمى العلمي في العصر الحديث، فلا يستقيم ذلك، ومن تبعات هذا الخلل اعتبار المسميات القرآنية للأمور الطبيعية مذكورة لخصائص فيها، بينما يرجع ذكرها في القرآن لإلفها وتداولها في عصر النزول، فما ذكر مثلاً من أسماء الطعام أو الشراب أو غير ذلك من عناصر الطبيعة إنما وردت لاستعمالها من قبل العرب في ذلك العصر، ولو استعمل العرب غيرها ربما ورد ذكر غيرها، وليس هذا فحسب بل إن صور النعيم في الجنة والعذاب في الآخرة ترتبط في جزء منها بما يعهده العرب في عصر النزول من أنماط النعيم وخياله، لذلك وردت مؤشرات قرآنية على كون كل ذلك إنما هو نماذج من النعيم أو العذاب، وعليه فمقاربة العلم قرآنياً تصدم بلغة النص السابق عليه والذي له مدلولاته الخاصة، ولعل أهم مطعن في دعاوى الإعجاز العلمي هو جهل الباحثين بلغة القرآن ولغة عصر النزول واستعمالات اللغة، وإذا كان هذا الشأن بالنسبة للغة القرآن الموحاة، فالإشكال أعمق فيما يخص السنة النبوية المروية بالمعنى.

-3 -

إن المتأمل في التاريخ الحضاري للمسلمين يلحظ أن عصور الإبداع العلمي في مجالات كثيرة من العلوم كالطب والفلك وغيرها، لم تشهد ظاهرة الوصل بين المكتشفات العلمية والنصوص، رغم أن كثيراً من علماء الطبيعة كانوا فقهاء أو مفسرين ومن علماء بالشريعة، لكن أياً منهم لم يربط بين ما اكتشفه وبين القرآن رغم معرفتهم العميق به، سوى أنهم يطبقون الأمر الإلهي بالحث على العلم والنظر في الكون، وبالمقابل نلحظ أن انتشار ظاهرة التفسير العلمي في العصر الحديث إنما أثارتها الصدمة التي أصابت المسلمين باكتشاف العلوم الغربية وتطورها، بعد سبات أصاب تلك العلوم في العالم الإسلامي، بل صرح البعض بالهدف من إثارة هذا النمط من التفسير وأنه لشحذ الهمم وإعادة الثقة بالنفس، وبالتالي فالانتشار الحديث للتفسير العلمي له بعد نفسي وحضاري، لكن سطحية هذا النمط لم تسمح باستمراره وتم تقييده والرد على التخرص فيه، فخبا قليلاً في النصف الثاني من القرن الماضي، لكن عاد واشتد في تسعينيات القرن العشرين وفي العقد الأول من هذا القرن، وللأسباب نفسها، مع عوامل ساهمت في نمو الظاهرة وانتشارها، فمن جهة كثرت العلوم وتنوعت مجالات الإسقاط العلمي على القرآن، لاسيما مع انتشار حقل آخر من البدائل عن أنماط علمية مألوفة، كالطب البديل، والغذاء الصحي، والبحث في الظواهر الطبيعية والتغيرات المناخية، ومن العوامل التي أسهمت في ذلك كثرة الباحثين في المجال العلمي ممن تأثروا بالصحوة الإسلامية ورأوا في التفسير العلمي دوراً لهم يقدمون من خلاله إضافة للدعوة ووسائلها، ومن العوامل أيضاً انتشار وتنوع وسائل الاتصال والإعلام وكثرة المؤتمرات والندوات والمؤسسات التي ترعى هذا النوع من المقاربات، والأموال السخية التي يقدمها رجال الأعمال للمسابقات في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير