ظهرت في هذه الفترة حركة علمية من المفسرين وكان على رأسهم: محمد بن أحمد بن محمد ابن الوقاد (ت 1001ه)؛ و علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي أبو الحسن (ت 1057ه)؛ و يحيى بن محمد النابلي، الشاوي الملياني أبو زكرياء (ت 1096 ه).
دور الدايات (1082 - 1246ه/1671 - 1830م):
لم يلبث الدايات حتى نصّبوا واحدا منهم على أن يتولى الأمر والسلطة مدى حياته، ولقبت إستامبول الداي لقب باشا باعتباره الممثل الرئيسي لسلطتها في الجزائر، وبقي الأمر على ذلك حتى دخل الاستعمار الفرنسي الغاشم.
وشهدت هذه الفترة امتدادا للحركة التفسيرية السابقة بحيث ظهر منهم: أحمد بن محمد بن أبي العيش بن محمد أبو العباس المقري التلمساني (ت 1041ه)؛ و أحمد بن قاسم بن محمد ساسي التميمي البوني (ت 1139 ه)؛ و الحسين بن محمد ابن العنابي الجزائري (ت 1150 ه)؛ و محمد بن محمد بن محمد الحسنى البليدي (ت 1176 ه)؛ و يوسف بن عدون بن حمو أبو يعقوب (ت بعد 1223 ه)؛ و محمد بن أحمد بن عبد القادر الراشدي الجليلي الملقب بأبي رأس المعسكري (ت 1238 ه)؛ و علي بن محمد الميلي، الجمالي (ت 1248 ه).
عهد الاستعمار الفرنسي (1246 - 1382ه/1830 - 1962م):
لقد عانى الشعب الجزائري شتى أنواع الاضطهاد، في فترة الاستعمار الفرنسي، حيث لا يخفى على أحد من الجزائريين، تاريخهم المجيد. لكن ما يخفى على البعض بغض الاستعمار لتعاليم الإسلام المجيد، وتضليلهم العامة بزرع الخرافات والشرك بأنواعه، ونصبهم مشايخ الضلال، ليخدموا مصالح فرنسا، فأكثروا لهم المشاهد والقبور والأعياد، باسم الدين، وعلقوهم بغير الله -جل وعلا – لأنهم على دراية بأن القوة في التوحيد (بما تحمله كلمة التوحيد من المعاني في ذلك) وأن الضعف والهوان والخذلان، في الشرك بالله سبحانه وتعالى؛ قال جل وعلا: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?
ولم يسكن حقد الاستعمار، من مخططاته الشريرة، لفصل هذا الشعب عن هويته التاريخية، والدينية، فراح يَحرمُه من تعليم لغة القرآن، حتى تنقطع صلته بتاريخه ودينه، فأصدر "شوطان" وزير الداخلية آنذاك، قراراً في مارس سنة 1938م بمنع تعليم العربية في الجزائر، واعتبرها لغة أجنبية، وتصدت جمعية علماء المسلمين لهذا القرار، باستمرار مدارسها، رغم التضييق والضغط عليها، فكانت نافذة للرحمة والعلم.
ويعلن الكردينال "لا فيجري" سنة 1930م: " أن عهد الهلال في الجزائر قد غبر، وأن عهد الصليب قد بدأ، وأنه سيستمر إلى الأبد".
فيعلن العلامة المفسر: ابن باديس بتأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931م، ليكون منبرا لنشر العلم والإسلام، وغرس الأخلاق والقيم المجيدة لهذا الشعب.
ويهدد الوزير الفرنسي، وفد المؤتمر الإسلامي سنة 1936م بأن لدى فرنسا مدافع طويلة؛ ويرد عليه الشيخ ابن باديس بأن لدينا مدافع أطول "وأنها مدافع الله".
وهذا كان شديداًَ على الاستعمار، فراحوا يدبرون له المكايد فأرسلوا للشيخ مجرماً يترصد به ليقتله، لكن أطال الله في عمره ولم يفلح المجرم ولم يفلح الاستعمار.
وهكذا ظل جميع العلماء الأوفياء، باذلين جهدهم في مقاومة الاستعمار بما أوتوا من الأقلام والقلوب والأفواه والأيدي.
ولم يعرف في هذه الفترة نشاط كبير في فن التفسير، بحيث لم يرد تفسير كامل إلاَّ تفسير ابن باديس، لكن للأسف لم يحفظ بل ضاع منه الكثير.
¥