وتزوج سنة 1904م، وأنجب ولداً أسماه إسماعيل، لكن ما لبن أن حفظ القرآن، حتى جاءته المنية وهو صغير؛ ولم يخلف ذرية بعده.
بدأ سنة 1908م مشواره العلمي، فارتحل إلى جامع الزيتونة لإثراء حصيلته العلمية، فتتلمذ على صفوة علماء الزيتونة كالشيخ محمد النخلي القيرواني، والعلامة المفسر صاحب التحرير والتنوير محمد الطاهر بن عاشور وكان لهذا فضل تكوينه الأدبي واللغوي، والشيخ الخصر حسين، والشيخ الصالح النفير وغيرهم؛ وتخرج من الزيتونة سنة 1912م بشهادة عليا (التطويع)، وفي هذه السنة قصد حج بيت الله الحرام، وإلتقى في المدينة النبوية بشيخه المهاجر حمدان الونيسي، والشيخ البشير الإبراهيمي، وآنذاك تبلورت فكرة ضرورة إنشاء " جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" التي تحققت فيما بعد؛ وعند رجوعه من الحج زار لبنان وسوريا ومصر، وبها أجازه الشيخ بخيت من كبار علماء الأزهر بشهادة العالمية.
بدأ انشغاله بالتدريس أولاً سنة1913م بجامع الأخضر بقسنطينة وكانت له مجالس منتظمة خاصة منها في التفسير، وتأثر بابن تيمية وسلفيته المنطقية، الواضحة المعالم، القوة الأسس، محكمة المباني، أصيلة، متأصلة، متبعة لا مبتدعة، مسلمة غير مكلفة، صادقة غير كاذبة، منبرها العلم والتوحيد، وطريقها الإتباع والتسليم، ومصدقها فهم السلف، فكان بذلك مجدد وشيخ الإسلام في الجزائر حيث يعتبر من الأفذاذ الجزائريين الذين أتموا تفسير القرآن كاملاً فدرسه رحمه الله في خمس وعشرين سنة؛ قال عنه زميله المخلص البشير الإبراهيمي في بصدد ذكر خصائص تفسيره:" كان للأخ عبد الحميد بن باديس-رحمه الله-ذوقا خاصاً في فهم القرآن كأنه حاسة زائدة خص بها، -يرفده بعد الذكاء المشرق، والقريحة الوّقادة، والبصيرة النافذة-بيان ناصع واطلاع واسع، وذرع فسيح في العلوم النفسية والكونية، وباع مديد في علم الاجتماع، ورأي سديد في عوارضه وأمراضه، يمد ذلك كله شجاعة في الرأي، وشجاعة في القول، لم يرزقهما إلى الأفذاذ المعدودون في البشر؛ وله في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح والتربية والتعليم وهو: أنه لا فلاح للمسلمين إلا بالرجوع إلى هدايته والاستقامة على طريقته، وهو رأي الهداة من قبله؛ وكان يرى-حين تصدى لتفسير القرآن-أن تدوين التفسير بالكتابة مشغلة عن العمل المقدم، لذلك آثر البدء بتفسيره درساً تسمعه الجماهير فتتعجل من الاهتداء به ما يتعجله المريض المنهمك من الدواء، وما يتعجله المسافر العجلان من الزاد ... فاقتصر على تفسير القرآن درساً ينهل منه الصادي، ويتزود منه الرائح الغادي، وعكف عليه إلى أن ختمه في خمس وعشرين سنة؛ ولم يختم التفسير درساً ودراية بهذا الوطن غيره، منذ ختمه أبو عبد الله الشريف التلمساني في المائة الثامنة".اه
قال عنه توفيق محمد شاهين: " هو كاتب ممتع، وسلفي النزعة في كتباته، ومهذب في كتاباته، قليل السخرية بالأعداء والمغضبين، ولكن قلمه أمضى من السنان، وأسلوبه من السهل الممتنع، تدرج أسلوبه حتى بلغ منزلة رفيعة، له بصر بالأدب وباع في اللغة وفقهها"اه.
وصفه الشاعر الجزائري الشيخ محمد العيد:
يراعيك في التحرير أمضى من الظبا وأقضى من الأحكام أيان يشهر
قبست من القرآن مشعل حكمة ينار به السر اللطيف و يبصر.
من أعماله:
1. أسس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، وانتخب رئيساً لها من بدء قيامها سنة 1931 م، إلى وفاته.
2. أصدر المجلات الآتية: " المنتقد" و"السنة" و"الصراط"والشريعة" و"البصائر"وأنشأ "الشهاب" وأبطل الاستعمار جميعها لما فيها من الحق ونشر العلم وانتقاد الباطل، وإعلاء السنة، وإيضاح الصراط، وتبيين الشريعة، وتبصير الخليقة، ولم يبقى منها إلاّ الشهاب التي كانت شهاباً بحق على أعداء الله من الاستعمار الغاشم ومن المبتدعة الحاقد، الجاهل المضلل عن صراط رب العالمين.
3. أسس النوادي في العواصم الجزائرية لنشر الثقافة والتربية الدينية.
4. أسس جمعية التجار المسلمين، والجمعيات الاقتصادية لإنعاش الاقتصاد والمحافظة على الثورة.
5. أسس " الميتم الإسلامي" جمعية رعاية الأيتام، والجمعيات الخيرية لإنقاذ الطفولة.
6. أنشأ مطبعة عربية في قسنطينة طبعت صحفه ومجلاته، وما يحييه من كتب ومنشورات.
¥