تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والداعية والمؤمنون بدعوته لا ينهمكون بحثاً عن أسباب حدوث هذا الفتن التي يمتحن الله بها عبادة بل ديدنهم التسليم المطلق لقدر الله، فإن ظهرت لهم الحكمة من دون تكلف فرحوا بها وإلا خضعوا لسلطان الله من دون تردد، لأن التشكك والتحير هنا من صفات غيرهم (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا)، وكان الجواب على هذا السؤال كاشحاً كاشفاً بأنها إرادة الله وكفى من دون إطناب في التعليل (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).

ومن أعظم أسباب الفتنة اعتماد الداعية على كسب يده وحذقه وفصاحة منطقه وقوة تأثيره دون لجوئه لربه، أي على العمل دون الفضل، وعلى الأسباب دون الانكباب، فقال سبحانه محذرا من هذه الحال (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ)، فمن كان رهين كسبه (فقط) فقد هلك، وهاك مقولاً ربانياً يجلي معنىً في غاية التأثير لهذا الاستثناء العظيم، فعن القاسم بن محمد قال: كلّ نفس مأخوذة بكسبها من خير وشر إلاّ من اعتمد الفضل والرحمة دون الكسب والخدمة، فكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ومَنْ اعتمد على الفضل فإنّه غير مأخوذ.

ومن البيّن أن السورة حين أرادت أن تعالج الفتنتين استعملت التذكير بالنار (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)، (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) لأن المدعوَّ هنا بلغ مرحلة العناد (عنيدا)، وأيضاً في (قلبه مرض) مزمن وآخر الطب الكي بالنار، وفي غيرها من السور قد يختلف الأمر كما تقدمت الإشارة إليه في شأن سورة "فصلت"، والتي تشترك مع سورة "المدثر" في كون رحى آياتها تدور حول الدعوة، ولكنها تختلف عنها في أسلوبها لاختلاف حال المدعُوّين.

- بقي السؤال .. كيف يقيس الداعية نجاح دعوته من خلال السورة؟ أي هل يتحقق هذا الركن بحصول التذكرة .. أم بشيء آخر؟

والجواب: أن الميزان ليس هو حصول التذكرة فهذا أمره إلى الله (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)، ولكنه" إيصال التذكرة على وجهها المشروع" ولذا وصف كتابه بقوله (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ).

فإن أوصل الداعية دعوته وفق منهج القرآن وسنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم واستفرغ الوسع في تحبيب الناس بها وسلك كل سبيل مباح لتحقيق هذه الغاية لكنهم مع هذا أعرضوا عنها؛ فلا يكترث بهم ولا لهم فقد ضرب الله مثلا عجيبا لحالهم وهو آخر أمثال القرآن وهو مثل "الحُمُر" (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)، فكل من أعرض عن هذا القرآن فهو في حقيقته واحد من هذه "الحُمُر" بحكم ربه عليه، وليس هو أيّ واحد منها، لا .. بل هو نوع خاص منها فقد عقله من شدة خوفه على حياته، فخيل لنفسك وكأنك تراها في حالها تلك فما الذي أنت راءٍ؟!

إن تصور حال المشبه به وهي الحمير الفارّة المذعورة، وأن الله هو من شبه المعرض عن التذكر بالقرآن بذلك؛ سيحرك النفس الشريفة للبعد عن كل أوجه الشبه بهذه الحال المخزية.

هذا مَثَل من أعرض، أما من سار على هدى هذه السورة المُنيفة، وامتثل صفاتها، واتبع أسلوبها، وتجنب محاذيرها، وكرر بين الفينة عرض دعوته على آياتها، وتصحيح ما خالف منهجها وأمرها ونهيها، فثمرتها ما ختم الله به عظيمَ آياتها، وهي البشرى له ولمن أجاب دعوته بأنه سبحانه معهم (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).

رزقنا الله جميعا الدعوة على منهاج النبوة

وجعل هذه السّور العظام حجة لنا لا علينا

..........

وللموضوع تتمة عن الركن الثالث من "أركان تربية القرآن" إن يسر الله وأعان،،

ـ[فيصل الغامدي]ــــــــ[09 Dec 2010, 03:31 م]ـ

بارك الله فيك شيخنا ونفع الله بك وننتظر الركن الثالث

ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[10 Dec 2010, 07:26 م]ـ

جزاك الله خيراً دكتور عصام على هذه المشاركات القيمة نفع الله بعلمك وزادك علماً، متابعون معك باقي الأركان بإذن الله تعالى

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير