إن المقابلة بين شيئين أو أمرين أو شخصين، تكون ليُعرف أيهما المؤثر في عمل معين, وإذا ثبت أن التأثير لواحد منهما, كان له فضل التقدم على غيره ومن ذلك قوله سبحانه:
{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل:18)
إنها مقابلة بين من يخلق ومن لا يخلق، فهي تصلح دليلا مثبتا في عدة دعاوي, ويكون فيها الحكم الفاصل الهادي المرشد.
6 - الاستدلال بالقصص القرآني:
اتخذ القرآن من القصص سبيلا للإقناع والتأثير، وفي ضمن القصة رسل يعرفون بقدرهم ومكانتهم كإبراهيم وموسى عليهما السلام.
ومجيء الدليل على لسان يقر بفضله المخالفون، كإبراهيم عند العرب
وموسى عند بني إسرائيل، يعطي الدليل قوة فوق قوته الذاتية، ومن ذلك قوله تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} (مريم:43)
إنه كلام متضمن لأبلغ تعبير عن بُطْلان عبادة الأصنام.
7 - الاستدلال بالجدل والمناظرة:
حث القرآن الكريم على الجدال بالحسنى إثباتا للحقائق ودحضا للشبهات, ومن ذلك:
{- وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً.
-وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الأنعام:9)
ب- مناهج القرآن في الجدل:
يعتمد القرآن عدة أساليب في منهجه الجدلي أذكر منها
1 - السبر والتقسيم:
هو نوع من إحصاء فيه نسبر جميع العناصر التي يتناولها الموضوع ثم نبدأ في التحليل والتقسيم:
{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْن؟ ِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْن؟ ِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الأنعام:143)
السبر هنا جاء ببيان وجوه التحريم:
- يلزم أن يكون جميع الذكور حراما.
- يلزم أن يكون جميع الإناث حراما.
- يلزم أن يكون الصنفين معا حراما.
2 - التحدي:
يرفع الفرآن التحدي الذي لا مناص منه ولن تجد له سبيلا:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (هود: من الآية13)
{فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} آل عمران168
3 - القول بالموجب:
وهو أخذ الخصم بموجب كلامه واستنباط ما يريده، من ذلك قوله سبحانه وتعالى:
{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)
جاء على لسان المنافق" ليخرجن الأعز منها الأذل"، والأذل هم المؤمنون في اعتباره لكن الله أوضح أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
4 - التسليم:
وهو أن يفرض المحال إما منفيا أو مشروطا بحرف الامتناع لكون المذكور ممتنع الوقوع لامتناع وقوع شرطه, ثم يسلم وقوع ذلك تسليما جدليا, ويدل على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه.
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (المؤمنون:91)
5 - السجال:
هو أن تثبت على لسان خصمك ألفاظا في سياق آخر تسجل به عليه ما كان عنده محل شبهة وإنكار:
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (لأعراف:44)
6 - الانتقال من الاستدلال لكي يلائم مدارك الخصم:
¥