تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.

ـ[محمد جابري]ــــــــ[17 Dec 2010, 01:44 ص]ـ

الأستاذة الكريمة أم عبد الله الجزائرية؛

شكر الله لك إثارة هذا الموضوع الشيق، والذي يفتح شهية الغيورين على القرآن للقفز به فوق الظنون والأوهام، كثيرة هي الإشكالات التي اعترضت سبيل الباحثين وبخاصة المعاصرين، ولم يجدوا بدا فيها من التقليد خشية الوقوع في اتهامات لا قبل لهم بها، فمن لم تكن له ثقة بما حصل من العلوم ومن لم يقرأ العلوم بعقلية ناقدة ورؤية نافذة وقف مع الأوهام حيث ما وقفت به، دون أن يمد اليد لفقه جديد وفكر ثاقب.

رمى لنا الفلاسفة كرة التسيير والتخيير وانطلق الناس معها وركبوا مركبها وشغلت الخاص والعام، وما هي في حقيقة أمرها إلا بالون هواء لا طائل وراءه إلا الفلسفات الجوفاء، وما أدرك المدركون بأن الإسلام له رؤيته الخاصة في الموضوع فالله جعل لكل شيء قدرا، وتسير الأمور بقدر، ولكل شيء أجل، ولكل أجل كتاب، فالفعال لما يريد واحد، أحد، فرد، صمد، وخير العباد بين الإيمان والكفر، وعبادة من شاءوا بعدما بين لهم سبيل الهدى وسبيل الضلال، والله جعل لكل فعل جزاء إن خير فخيرا، وإن شر فشرا، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.

نقرأ التفاسير ونقف الوقفات مع الآية والأخرى ونستغرب ما جاء به المفسرون، ثم نمر مر الكرام، من غير تبيان ما لم يتوافق مع ما أدركناه إما خشية أن يطلع الناس على رؤانا المنحرفة مثلا، أو المخطئة للصواب وكل منا يردد قولته من أنا حتى أحاجج فلان؟ وما درينا بأن النصح لكتاب الله واجب شرعا، وأنه من الخطأ يتعلم المرء، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

فاقرئي - حفظك الله لمن شئت من المفسرين قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15] وقف الناس فيها عند قول ابن عباس وغيره وأدخلوها سرادق التعظيم ولم يستطع أحد تجاوز ما جاء به، وما اطمأننت لما جاءوا به من كلام عن نصرة رسول الله في شيء، إذ لا علاقة للآية مع ذكر الرسول، وما كان القرآن الذي يأمر بحفظ النفس أن يأمر بشنقها بغير حق.

ثم حينما نتعاطى للتفسير من غير ضابط حكمة الله، فلا غرو إن أتينا بالعجائب. فالقرآن حكيم وحكمته لا تدرك إلا من زاوية {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] أي من زاوية ما سنه من سنن في كونه وقرآنه؛ فقوله حكمة وفعله حكمة، ولا ينبغي أن تفهم الحكمة إلا من خلال أفعال الله الذي يرفع درجات من يشاء وربنا الحكيم العليم.

كيف لنا أن نؤمن بالمتشابه في القرآن وربنا يقول {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] أم كيف لا نؤمن بالمتشابه في القرآن والله يقول {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران: 7].

وبالمثال يتضح المقال: فحين يقول ربنا جل جلاله لحبيبه ومصطفاه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] ينصرف فكر الغمر الذي لا تحنكه التجارب إلا خلاف مقتضى قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وإنما قصر الفهم عن إدراك حكمة الحكيم بأنه كلما علق الكلام على المشيئة علينا أن نبحث عن قانون مشيئته سبحانه وتعالى في تلك السنة الربانية، والذي بثه الخالق في موطن أو مواطن من كتابه. فهاهنا نعهد الله جل جلاله بالهداية لعدة مواصفات اتصف بها أناس، وتعهد بحرمان الهداية لعدة أشخاص اتصفوا بمواصفات تقضي بعدم هدايتهم. وما رد دعاء نبيه لهداية عمه إلا لكونه كان رأسا في الكفر والله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير